عن السفينة اليابانية!
بين ٢٠ و٦٦ يابانيًا فقط، غرقوا مع السفينة اليابانية «مونتيفيديو مارو»، Montevideo Maru، التى دمّرها الأمريكيون، فى أول يوليو ١٩٤٢، خلال الحرب العالمية الثانية، قبالة سواحل الفلبين، أما باقى الضحايا الـ١٠٥٤ أو الـ١٠٦٠ أو الـ١٠٨٩ فكانوا ٩٧٩ أسيرًا أستراليًا و٣٣ أو ٣٥ بحارًا من سفينة الشحن النرويجية «إم فى هيرشتاين»، و٤٢ أو ٤٨ أو ٧٧ من بريطانيا والدنمارك وإستونيا وفنلندا وأيرلندا وهولندا ونيوزيلندا والسويد وجزر سليمان و... و... والولايات المتحدة.
كان هؤلاء فى طريقهم من «بابوا غينيا الجديدة»، إلى جزيرة «هاينان» الصينية، اللتين كانتا تحت الاحتلال اليابانى. وبالغباء أو التهور الأمريكى المعتاد، أطلق طاقم الغواصة الهجومية «يو إس إس ستيرجن»، USS Sturgeon، أربعة طوربيدات، دمّرت السفينة فى ست دقائق، قبل أن تختفى تمامًا تحت الأمواج فى غضون ١١ دقيقة، ليموت كل من فيها، باستثناء عدد من أفراد طاقمها والحراس اليابانيين، الذين تمكنوا من الوصول إلى بر الفلبين، عبر ثلاثة قوارب نجاة، قدّرت مصادر عددهم بـ١٠٢ وقالت أخرى إنهم ٨٨ أو ٢٠ فقط.
تجدّد الحديث عن هذا الحادث الأليم، أو الكارثى، وتجدّد معه التضارب بشأن عدد الضحايا والناجين وجنسياتهم وتصنيفاتهم، أمس الأول السبت، مع إعلان مؤسسة «سايلنتوورلد»، Silentworld Foundation، الأسترالية، المتخصصة فى البحث عن الآثار فى أعماق البحار، عن وصولها إلى حطام «مونتيفيديو مارو»، على عمق أكثر من ٤ آلاف متر فى بحر الصين الجنوبى، شمال غربى جزيرة لوزون الفلبينية.
تقع بابوا غينيا الجديدة، Papua New Guinea، فى جنوب غرب المحيط الهادئ، بالقرب من إندونيسيا، وظلت خاضعة لاحتلال مستكشفيها الإسبان والبرتغاليين، حتى تم تقسيمها سنة ١٨٨٤ بين ألمانيا وبريطانيا التى وضعت الجزء التابع لها سنة ١٩٠٢ تحت سلطة الكومنولث الأسترالية، ثم استولت على الجزء الألمانى سنة ١٩١٤، خلال الحرب العالمية الأولى، ثم غزتها اليابان فى ديسمبر ١٩٤١، ودارت فيها معارك رئيسية بين ١٩٤٢ و١٩٤٥، سقط خلالها حوالى ٢١٦ ألفًا من القوات اليابانية والأسترالية والأمريكية، كان أبرزها «معركة رابول»، التى حملت بعض أسراها السفينة، التى دمّرتها الغواصة الأمريكية.
السفينة «مونتيفيديو مارو»، كانت واحدة من ١٣٤ سفينة يابانية، نقلت ١٢٦ ألف أسير خلال الحرب العالمية الثانية، أطلق عليها الحلفاء اسم «سفن الجحيم»، وكان من بينها السفينة «راكيو مارو»، التى نسفها الأمريكيون، أيضًا، فى ١٢ سبتمبر ١٩٤٤، وعلى متنها ١٣١٧ أسيرًا أستراليًا وبريطانيًا، غرق معظمهم مع السفينة، وتعرض ٣٥٠ كانوا فى قوارب النجاة للقصف، فماتوا جميعًا. كما نسف الأمريكيون، كذلك، السفينة «أريسان مارو» فى ٢٤ أكتوبر ١٩٤٤، وقتلوا ١٧٧٣ أسيرًا أمريكيًا.
المهم، هو أن أنتونى ألبانيز، رئيس الوزراء الأسترالى، أعرب فى حسابه على «تويتر»، صباح السبت، عن أمله فى أن يجلب العثور على المكان، الذى ترقد فيه الأرواح المفقودة، بعض الراحة لأحبائهم الذين انتظروا طويلًا. دون أن يشير إلى أن الضحايا كان من بينهم هارولد بيج، نائب حاكم بابوا غينيا الجديدة، شقيق إيرل بيج، رئيس الوزراء الأسترالى الأسبق، والقس سِيد بيزلى، عم كيم بيزلى، زعيم حزب العمال الأسترالى، الذى كان وزيرًا للدفاع بين ١٩٨٤ و١٩٩٠، وتوم فيرنون جاريت، جد المطرب بيتر جاريت، نجم فريق الـ«بوب روك» الأسترالى «ميدنايت أويل»، Midnight Oil، الذى كان بين ٢٠١٠ و٢٠١٣، وزيرًا للتعليم.
كان بين الضحايا، أيضًا، نيل روس كالاهان، العم الأكبر لأندرو هاستى، قائد القوات الجوية الأسترالية، مساعد وزير الدفاع الأسبق، الذى صار عضوًا فى البرلمان، وترأس لجنة المخابرات والأمن القومى، وأبدى أسفه، فى نوفمبر ٢٠٢٠، على جرائم الحرب، التى ارتكبها الجنود الأستراليون فى أفغانستان.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الغواصات والطائرات الأمريكية أغرقت عددًا آخر من «سفن الجحيم» اليابانية، قبل وبعد «مونتيفيديو مارو» و«راكيو مارو» و«أريسان مارو»، ما جعل عدد أسرى الحلفاء، الذين قتلهم التهور، أو الغباء، الأمريكى، يتجاوز العشرين ألفًا، والرقم على عهدة كتاب «الموت على سفن الجحيم»، Death on the Hellships، الصادر سنة ٢٠٠١، للمؤرخ الأمريكى جريجورى ميتشنو.