أمعاء البنتاجون على الأرصفة!
وثائق سرية، وسرية للغاية، أو بعض «أمعاء» وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاجون، تم تسريبها، وبدأ إلقاؤها، تباعًا، على أرصفة شبكات التواصل الاجتماعى. ونقلت جريدة «نيويورك تايمز»، الجمعة الماضى، عن مسئول أمريكى بارز، أن تلك التسريبات باتت تشكّل «كابوسًا للعيون الخمس»، فى إشارة إلى التحالف أو النادى المخابراتى، المعروف باسم FVEY، الذى يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا.
الوثائق السرية، والسرية للغاية، يعود تاريخها إلى أواخر فبراير وأوائل مارس، وتتضمن تحديثات ميدانية على المستوى التكتيكى، وتقييمات لقدرات أوكرانيا الدفاعية، ومعلومات حول الجيشين الأوكرانى والروسى، وصورًا لأسلحة سيتم تسليمها لأوكرانيا، وكمية الأسلحة والمعدات الغربية، التى وصلت بالفعل إلى ساحة المعركة، وعدد الجنود الأوكرانيين الذين تم تدريبهم على استخدامها، و... و... ومعدلات الإنفاق على أنظمة صواريخ «هيمارس»، التى يمكن أن تستهدف البنية التحتية وتجمعات القوات، من مسافات بعيدة.
من موقع الدردشة «ديسكورد»، انطلقت التسريبات إلى «فور تشان»، أحد أكثر المواقع سيئة السمعة، ثم انتشرت على شبكات «إنستجرام» و«تلجرام» و«تويتر». وبدا واضحًا أن الوثائق مأخوذة من تقارير وكالات متعددة، لاحتوائها على تحديثات لـ«مركز عمليات وكالة المخابرات المركزية»، وملخصات وإحاطات مخابراتية من جميع أنحاء العالم، بها تحليلات تتعلق بإسرائيل وكوريا الجنوبية والمجر وإيران، ومعلومات شديدة الحساسية بشأن الصين والهند، والموقف العسكرى فى المحيطين الهندى والهادى، والإرهاب فى منطقة الشرق الأوسط، و... و... والمصادر والأساليب التى تستخدمها الوكالة فى جمع مثل هذه المعلومات!.
مسئول عسكرى أمريكى قال لجريدة «واشنطن بوست» إن العديد من هذه الوثائق تم تقديمها للجنرال مارك ميلى، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة وعدد من كبار القادة، لكنه أوضح أن الوصول إليها يكون متاحًا لمئات، إن لم يكن آلاف الأفراد والموظفين المتعاقدين الحاصلين على تصاريح أمنية مناسبة، وبالتالى يصعب تحديد مصدر التسريب. وفى بيان مقتضب، قالت سابرينا سينج، المتحدثة باسم «البنتاجون»، إن الأمر قيد المراجعة، لكنها رفضت الكشف عن مدى الضرر الذى أحدثته التسريبات. ولاحقًا، ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية، أنها أحالت الأمر إلى وزارة العدل. ثم قالت الأخيرة، فى بيان أصدرته منتصف ليل الجمعة- السبت، إنها بدأت التحقيق فى القضية، دون تقديم أى معلومات إضافية!.
لم تكن تلك هى المرة الأولى، ولا نعتقد أنها ستكون الأخيرة، التى يتم فيها إلقاء «أمعاء» وزارة الدفاع الأمريكية على الأرصفة. وتكفى الإشارة، مثلًا، إلى السبعة آلاف وثيقة عن حرب فيتنام، المعروفة باسم «أوراق البنتاجون» التى سربها دانيال إلسبيرج، سنة ١٩٧١، أو مئات الآلاف من الوثائق، التى نشرها موقع «ويكيليكس» سنة ٢٠١٠، من سجلات غزو أفغانستان والعراق، إضافة إلى مقطع الفيديو الذى تم تصويره من مقصورة الطائرات العسكرية الأمريكية التى قتلت فى يوليو ٢٠٠٧، مدنيين وصحفيين فى بغداد.
حدث، أيضًا، أن اكتشف باحث مستقل فى مجال الأمن السيبرانى، اسمه أنوراج سين، منذ شهرين تقريبًا، أن ثلاثة تيرابايت، أى ثلاثة آلاف جيجابايت، من رسائل البريد الإلكترونى الداخلية لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية، ظلت متاحة على الإنترنت، لحوالى أسبوعين. ووقتها، استوقفنا أن التقرير، الذى نشرته «سى إن إن» فى ٢٤ فبراير الماضى، تعامل مع هذه الكارثة بمنتهى البساطة، أو الاستهانة، إذ استنتج أن يكون سببها «خطأ فى تهيئة خادم الكمبيوتر»، ورأى أن «القيادة الإلكترونية للجيش الأمريكى»، التى تشكلت منذ أكثر من عشر سنوات، قامت بتأمين مجموعة شبكات الكمبيوتر المترامية الأطراف للجيش الأمريكى، كما زعم أن تلك «القيادة الإلكترونية» تمكّنت من اختراق شبكات المجرمين الإلكترونيين والحكومات الأجنبية!.
.. أخيرًا، وبينما أقرّ مسئولون أمريكيون بصحة الوثائق واتهموا روسيا، أو عناصر موالية لها، بالوقوف وراء تسريبها، وبالتلاعب فى بعضها، لتقليل خسائر القوات الروسية، قال آخرون إنها لعبة مخابراتية أمريكية، تهدف إلى تضليل الجانب الروسى. ومن أبعد، وأهدى، نقطة فى الملعب، وصف ميخايلو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكرانى، التسريبات وما احتوته من وثائق وخرائط ومعلومات بأنها «مجرد أدوات معروفة فى ألاعيب العمليات التى تصنعها المخابرات الروسية.. ولا شىء أكثر من ذلك»!.