فى ذكرى العاشر من رمضان.. كيف تحول مبنى «ماسبيرو» لشعلة نشاط للتفاعل مع معركة النصر؟
«هنا القاهرة.. جاءنا الآن البيان التالي من القيادة العامة للقوات المسلحة: قام العدو في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم، بمهاجمة قواتنا في منطقتي الزعفرانة والسخنة في خليج السويس، بواسطة عدة تشكيلات من قواته الجوية عندما كانت بعض من زوارقه البحرية تقترب من الساحل الغربي من الخليج، وتقوم قواتنا حاليًا بالتصدي للقوات المغيرة»..
كان هذا هو نصّ البيان رقم (1)، بعد ظهر يوم السادس من أكتوبر عام 1973، والتي بدأت فيه قوّتنا المسلحة في خطتها لاستعادة أرض الفيروز سيناء، حيثُ كان هذا أول بياناتها، عبر موجات الإذاعة المصرية عقب بدء تحرك القوات، شرقًا داخل سيناء.
بعد هذا البيان مُباشرةً والذي أُذيع من داخل مبنى الإذاعة المصرية «ماسبيرو» من قبل مندوب رفيع المستوى من وزارة الدفاع، أتى في تمام الساعة الواحدة من ظهر السادس من أكتوبر، وكان يحمل خطابًا مهمًا مكتوبًا عليه «سرى للغاية»، حيثُ كان هو أول بيان ستتم إذاعته في الثانية وعشر دقائق بعد انطلاق الضربة الجوية بخمس دقائق، أحاطَ «ماسبيرو» مئات المواطنين في انتظار نتيجة ما يحدث.
في هذا اليوم تحوّل مبنى «ماسبيرو» إلى شعلة نشاط للتفاعل مع معركة النصر.. فكيف كانت أوضاع المبنى والمواطنين الذين أتوا من كل وادٍ للاحتفال بالانتصار على العدو الصهيوني واستعادة أرض مصر بعد احتلالها لسنوات؟.. هذا ما نستعرضه لكم عبر هذا التقرير:
خرج المصريون من مسيحيي الشعب ومسلميه في العاشر من رمضان ١٩٧٣م، جنبًا إلى جنب، متجهين نحو مبنى التليفزيون المصري (ماسبيرو)، التي كانت تُذاع من داخلها بيانات القوات المسلحة لحظة بلحظة للشعب المصري، يهتفون باسم الوطن، وباسم القائد، وباسم الحرية، صارخين «تحيا مصر بلدي الحرة»، ثُوروا سويًا وحموا الديار، وحاربوا في ذلك اليوم ولم تكن هناك أبواق تفرق بين الأيادي التي تحمل السلاح ضد العدو دفاعًا عن شرف العرب.
يوم العاشر من رمضان، يعد أعظم انتصارات الأمة العربية في تاريخها، الذى جسد أصالة شعب مصر وقواته المسلحة وعظمة ولائهم والشعب للوطن، فتجمهر المصريون في الشوارع، وأحاطت مبنى ماسبيرو هتافات المواطنين، واجتمع المسلم والمسيحي ليرفعوا أعلام مصر بميادين وشوارع القاهرة، خاصة ماسبيرو التي تحوّلت لضباب من الاحتفالات المصرية بيوم النصر العظيم.
«رأيتُ مشهدًا لا أراه في تاريخي ولن يراه أحد مثلنا»
يقول فتحي عبدالناصر، 62 عامًا، أحد سُكان القاهرة، والمشاركين في احتفالات النصر من اليوم العاشر من رمضان، إنَّه كان من أوائل المصريين المتواجدين أمام مبنى ماسبيرو للاحتفال بمعركة النصر.
ويتابع عبدالناصر في حديثه لـ«الدستور»: «عندما سمعتُ بيان القوات المسلحة الأول في الإذاعة المصرية، واعتقدتُ أن شيئًا ما سيحدث وأنَّ هذا اليوم (العاشر من رمضان) لن يفوت كالأيام، فذهبت إلى مبنى «ماسبيرو» وجلست أمامه، وكان الناس يأتون واحدًا تلو الآخر، حتَّى أصبحنا أكثر من مئة شخص في أقل من نصف ساعة، ثمّ تجمهر المئات بعدها».
يُضيف: «عندما جاءنا البيان بتحرك القوات المسلَّحة وتوغلها شرقًا داخل سيناء لاستعادة أرض الفيروز التي كان يحتلها العدوّ الإسرائيلي، وجدتُ كلمة «الله أكبر تحيا مصر»، تخرق أُذنيّ من كل مكان، وتفاجأت بصياح المصريين وتفاعلهم مع بيانات القوات المسلحة التي كانت تأتي تباعًا لموقف الأجناد المصرية تجاه محاربة الأعداء، وقمتُ أنا الآخر بالتفاعل معهم».
وعن لحظة الانتصار، يؤكد عبدالناصر: «لا أستطيع وصف ذلك اليوم وروعته، فقد رأيتُ مشهدًا لا أراه في تاريخي ولن يراه أحد مثلنا.. كُنَّا كالطير الذي كان محبوسًا ثّم انفكت عُقدته.. فرحة المصريين وشعورهم بالنصر، ضغطت على أحزان الجميع، وكنَّا في أشد فرحتنا يومها».
«كان هذا اليوم مليئًا بالهتافات الوطنية والفرحة المصرية الجميلة»
وفي السياق ذاته، يؤكد شعبان ممدوح، البالغ من العمر 60 عامًا، أنَّه كان أحد الشاهدين على تفاعل المواطنين أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون مع معركة النصر العظيمة، مُشيرًا إلى أنَّه في ذلك الوقت كان يمرّ بالصُدفة من أمام المبنى، واستوقفه تجمهر المصريين وحالة الخوف التي ظهرت على وجوههم، تفاعلًا مع الحرب.
يقول «ممدوح»: «عندما مررتُ من أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون، وجدتُ أكثر من مئةَ شخصٍ- أغلبهم يرفع عالم مصر- ينتظرون في شوقٍ، بينما دلّت حركة أجسامهم على الارتباك وكثير من التوتّر الذي كان يقبع وجوههم، ووقفت بجانبهم أتأمل الأحداث وأستمعُ إلى كلامهم، حتَّى علمتُ بمعركة الجيش المصري ضدّ إسرائيل لتحرير أرض سيناء وحدود مصر».
يُضيف الرجل الستيني: «منذُ ذلك الوقت - وكان بعد العصر مباشرةً- ولم أذهب إلى بيتي إلا بعد وقت متأخرٍ من الليل، حتى اطمئن على نصر بلادي، وكان هذا اليوم مليئًا بالهتافات الوطنية والفرحة المصرية الجميلة».
واختتم حديثه لـ«الدستور»: «لو عاد بي الزمن لكنتُ حريصًا على المشاركة في حرب أكتوبر لو طلبتني القوات المسلحة، كنتُ أتمنى أن أُشارك في نصر بلادي.. هذا فخرٌ لنا ولتحيا مصر حرة آمنة مستقرة».