حديث الرئيس و«مفاجأة» إسرائيل
استمعت باهتمام إلى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال الاحتفال بيوم الشهيد، وانتبهت لجملتيه التي ذكر فيهما إسرائيل، لتتفتح متاهة عقلي على جزء قليل من كواليس ما حدث قبل 2011 وبعدها، ويتبادر إلى ذهني السؤال الأهم، ليس "لماذا ننسق مع إسرائيل؟" فقط، بل و"كيف؟".
رحلة سريعة في كواليس مثيرة، هجمات في سيناء، حشود في الميدان، "انفصال وجداني" بين البؤرتين، بينما يرى الجيش الصورة واضحة، قبل 2011 بعدة أعوام، وعينه على "المُستغل"، فالمخطط مرسوم بأن تُفصل سيناء عن الدولة بالكامل، وتبدأ الهجمات ضد إسرائيل، فيتم جرها لداخل أرض الفيروز مرة أخرى.
"لماذا؟" الحديث تقليدي عن معاهدة سلام وملحقها العسكري، الإبلاغ بدخول قوات أكبر من الجيش إلى ما بعد الخط "أ" لأول مرة بخلاف المنصوص عليه، لكن ما بين سطور ذلك الحديث، هو أن ذلك الإبلاغ وأد أي نية لجر إسرائيل إلى سيناء مجددًا، بل أن حقيقةً تفهمت إسرائيل ذلك جيدًا، وأن مصر تحارب لتطهير "أرضها" ولا مجال لغير ذلك حتى وإن وقعت هجمات صبيانية من الإرهابيين.
ظل الأمر كذلك منذ 2011، مصر تعلن زيادة القوات في شبه الجزيرة شيئًا فشيئا، إسرائيل تتفهم الأمر، توافق، فالحرب هناك شرسة، وحتى لقاء إعلامي في 2014 مع المرشح الرئاسي آنذاك "عبد الفتاح السيسي"، وطُرح عليه سؤال واضح حول إمكانية تعديل اتفاقية السلام مع إسرائيل، ليجاوب بوضوحه المعتاد: "اللي إحنا عايزينه بنعمله، والقوات موجودة، ولو الأمر متطلب إننا نعدل مفتكرش هيرفضوا، لأنهم تفهموا دلوقتي إنهم يتعاملوا مع دولة وجيش عنده قوة عادلة ورشيدة ومدافعة وليست قوى حمقاء"، وسنعود لذلك لاحقًا.
"كيف ننسق؟".. هو السؤال الأهم، ليس أن نبلغهم بإدخال القوات فيتفهموا فقط، لكن هناك أشياء يجوز فيها التنسيق بالطبع، إخطار مثلًا، وأشياء أخرى "لا"، تلك هي الحرب، فمثلًا، عودة للوراء عام 2018، اشتكى نحو 300 ألف إسرائيلي، وحامل للجنسية، من أن شبكات هواتفهم لا تعمل، الأمر ليس في الجنوب فقط، لكنه امتد إلى مدينة "حيفا" في الشمال، هناك تشويش واضح على الاتصالات، وبعد تكاثر الشكاوى لحوالي أسبوع، أعلنت وزارة الاتصالات الإسرائيلية أن مصدر ذلك التشويش هو "مصر".
«تفاجئت» إسرائيل من تلك الخطوة، نعم، الأمر ليس فيه تنسيقًا، وهو ما دللت عليه التفاصيل المنشورة هناك بأن الجانب المصري "شك" أن الإرهابيين يستخدمون شرائح اتصال إسرائيلية، فبدأ عملية تشويش واسعة النطاق على الشبكات، بل وقالت تقاريرهم: "الإجراءات المصرية لها آثار بعيدة المدى".
لم تكن مفاجأة إسرائيل هو أن مصر "عبرت بتشويشها الحدود إلى الشمال" فقط، ولكن أن "مصر لم تنسق معها" رغم أنه أمر بديهي بين أي دولة وجارتها، ولكن في الحالة المصرية وداخل سيناء، لم يحدث ذلك.
منذ 2011 وحتى الآن، كانت هناك أصواتًا في إسرائيل لا تريد أن يحدث تعديلًا، بل أنهم يستعجلون اليوم الذي تنتصر فيه مصر على الإرهاب، لتعود القوات إلى الخط "أ"، وهو تفكير منطقي بالنسبة إليهم، وبديهي أن يسيرون إليه، خاصةً أن مصر طوال الـ 12 سنة الماضية، شيدت مطارات عسكرية وضاعفت عدد القوات، دون أي تعديل.
وفي 8 نوفمبر 2021، كان إعلانًا من الجانبين بتعديل الملحق العسكري للاتفاقية، وقال المتحدث العسكري: "نجاح اللجنة العسكرية المشتركة بناءً على الاجتماع التنسيقي مع الجانب الإسرائيلي في تعديل الاتفاقية الأمنية بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها في المنطقة الحدودية بمنطقة رفح"، وهي خطوة عقلانية للغاية، فإحلال الأمن والأمان الذي نجحت فيه مصر داخل سيناء يجب أن يستمر.
كشف الرئيس عن أن الإرهاب عمل على تخريب وجود الدولة في سيناء بحرب خبيثة هدفها إسقاط مصر في فخ الحرب الداخلية، والحرب الحدودية، والكثير من الدماء، ولكن لم يقدر الله لنا ذلك، ولم يسمح رجال هذا البلد أن تُخرب الأرض أو يروع الناس، ضحوا بأنفسهم ليتحقق "الأمن والأمان والسلام" والثمن هو "الشهيد" له التحية والامتنان في مرقده بعليين.