مهزلة التمويل المناخى
التمويل المناخى، بتعريف الأمم المتحدة، هو الموارد المالية، التى توجهها، أو يجب أن توجهها، الدول والكيانات الوطنية والإقليمية والدولية، لمشاريع وبرامج التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه. أما العنوان، فاستلفناه من أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، الذى قال لوكالة «رويترز»، أمس الأول الجمعة، إن «التمويل المناخى مهزلة»، منتقدًا «تقاعس الدول المتقدمة عن الوفاء بالالتزامات التى قطعتها منذ عشر سنوات بتقديم ١٠٠ مليار دولار سنويًا» للدول النامية.
تصريحات «شتاينر»، Achim Steiner، جاءت على هامش اجتماع وزراء المالية ومحافظى البنوك المركزية فى مجموعة العشرين، التى استضافها أحد منتجعات ضواحى بنجالور، بجنوب الهند. وصحيح، أن الدول، التى توصف بأنها متقدمة لم تلتزم، إلى الآن، بتقديم المائة مليار دولار، سنويًا، لكنها لم تتعهد بذلك منذ ١٠ سنوات فقط، بل منذ أكثر من ١٤ سنة، تحديدًا فى ديسمبر ٢٠٠٩، خلال المؤتمر الخامس عشر للدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، كوب ١٥، الذى استضافته العاصمة الدنماركية كوبنهاجن.
ما قد يثير الدهشة، أو الغيظ، أن هذا التعهد ظل يتكرر فى كل مؤتمرات، قمم، أو دورات الدول الأطراف فى الاتفاقية، وصولًا إلى القمة السابعة والعشرين، «كوب ٢٧»، التى استضافتها شرم الشيخ، فى نوفمبر الماضى، والتى كان أبزر نتائجها، أو منجزاتها، انتزاع الموافقة على إنشاء «صندوق الخسائر والأضرار». كما كان لافتًا أن مؤسسات مالية دولية عديدة، من بينها «البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية» و«مجموعة البنك الدولى»، استبقت القمة بإطلاق حملة عنوانها «الاستثمار من أجل عالم أكثر اخضرارًا»، استهدفت إبراز دور تلك المؤسسات فى التمويل المناخى، وفى تقديم حلول مبتكرة لتخفيف الأعباء عن الدول النامية!
قد يثير دهشتك أو غيظك أيضًا، أن نسبة إسهام الدول النامية، فى انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى تقل عن ٣٪، أما الدول التى توصف بأنها متقدمة، فلم تكتف بنسبة الـ٩٧٪، بل عادت إلى استخدام الفحم، على خلفية الأزمة الأوكرانية. والأكثر من ذلك، هو أن «خارطة الطريق»، التى وضعتها «وكالة الطاقة الدولية»، السنة الماضية، قامت بتغليب مصالح تلك الدول على حساب باقى دول العالم، والكوكب كله. ولعلك تتذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسى طالب، مرارًا، منذ مشاركته فى قمة المناخ، سنة ٢٠١٤، وحتى قمة شرم الشيخ، بضرورة وجود تحرك دولى أساسه مبدأ الإنصاف والمسئولية المشتركة، مع تباين الأعباء والقدرات، لدعم ومساعدة الدول النامية، خاصة العربية والإفريقية، الواقعة فى نطاق المناطق الجافة والقاحلة، الأقل إسهامًا فى الانبعاثات المسببة للاحتباس الحرارى، والأكثر تضررًا من تبعات تغير المناخ.
منذ شهور، مرت الذكرى الثلاثون لـ«مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة والتنمية»، الذى استضافته مدينة ريو دى جانيرو، والذى جرى خلاله التوقيع على الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ، وطوال السنوات الثلاثين، ظلت فكرة تعويض الدول النامية، أو إنشاء «صندوق الخسائر والأضرار»، مطروحة للنقاش، أو محل جدل، لكن لم يتم وضعها فى جدول الأعمال الرسمى لأى من قمم المناخ، إلا فى قمة شرم الشيخ.
قد تدرك أهمية انتزاع الموافقة على إنشاء هذا الصندوق، لو عرفت أن التمويل المناخى الذى تحتاجه الدول النامية يتجاوز بكثير جدًا المائة مليار دولار، التى لم يتم الالتزام بها: ٢.٨ تريليون دولار، فى تقدير «اللجنة العلمية للأمم المتحدة لمتطلبات الطاقة» و٤.٥ تريليون دولار، طبقًا لتقدير مؤسسة «ماكنزى». وما يدعم صحة التقدير الأخير هو أن تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا فى قارة إفريقيا، وحدها، يتطلب ٣٥٠ مليار دولار، سنويًا، حتى سنة ٢٠٣٠، بينما ما يتم توفيره حاليًا لا يزيد على ١٩ مليار دولار فقط!
.. وتبقى الإشارة إلى مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، طالب دول مجموعة العشرين، خلال مشاركته فى اجتماع وزراء المالية ومحافظى البنوك المركزية فى المجموعة، بإعادة هيكلة ديون الدول الضعيفة، وتخفيض كلفة القروض، كما اقترح تخفيض الدين بنسبة ٣٠٪ عن ٥٢ دولة قال إنها على وشك مواجهة أزمات كبيرة.