مسرحيون يجيبون عن السؤال.. كيف يعود «مسرح الشارع» للشارع؟
- أحمد زيدان: ازدهر عبر تجارب فردية.. وإسلام سعيد: يواجه صعوبات فى الإنتاج والتنظيم
من العصر اليونانى إلى التاريخ الحديث، تطور مسرح الفضاءات المفتوحة إلى عدة أشكال، أشهرها مسرح «العلبة» الإيطالى، الذى ظهر فى القرن السادس عشر، وأصبح تقليدًا مسرحيًا شهريًا، نقلته التجربة المصرية عبر مسرحيين كبار فى أوقات وأماكن مختلفة.
وفى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى وما بعدها، قدم عدد من كبار المسرحيين مسرحهم فى أماكن مغايرة وغير تقليدية وفى بعض القرى بالريف المصرى، وظهرت تجارب مهمة مثل تجربة الدكتور هناء عبدالفتاح فى قرية دنشواى، والمخرج أحمد إسماعيل فى شبرا بخوم بالمنوفية، والفنان القدير عبدالعزيز مخيون فى أبوحمص بالبحيرة، وغيرها، إلى أن اختفى هذا المسرح بالتدريج لأسباب مختلفة. وبعد ثورة يناير عاد مسرح الفضاءات المفتوح إلى الواجهة من جديد، مثل مسرح الشارع وعروض المقاهى والحدائق، إلى أن تراجع ثم اختفى مجددًا مع الوقت، رغم ما يتسم به من قدرة على تجاوز مشكلات المسرح التقليدى الإنتاجية، بالإضافة إلى سهولة وصوله إلى الجمهور فى كل الأماكن المتاحة، ما يفتح الباب أمام التساؤل عن أسباب اختفاء هذا النوع من المسرح، رغم أهميته الكبيرة للحركة الأدبية والفنية فى مصر.
وحول تجارب مسرح الفضاءات المفتوحة فى مصر وأسباب تراجعها، قال الناقد والكاتب أحمد زيدان، إن ازدهار مسرح الشارع بشكل خاص أو مسرح الفضاء المفتوح بشكل عام فى مصر، يعود بالأساس إلى محاولات فردية لبعض المبدعين، ولم يكن ضمن مشروع واضح ليكتب له الاستمرار.
وقال: «كان لدينا مثلًا مسرح المقهى، لعبدالعزيز مخيون وناصر عبدالمنعم، وتجارب الجرن لهناء عبدالفتاح، وتجربة شبرا بخوم لأحمد إسماعيل، ثم عروض الأماكن المفتوحة بالثقافة الجماهيرية والتى قدمت بملعب كرة قدم للدكتور رضا غالب، وفى مراكب بالنيل للسيد فجل، وفى مسرح عربة، ثم ظهرت تجارب مستقلة لم تستمر أيضًا لفرقة (حالة) لمحمد عبدالفتاح قبيل ٢٠٠٥ وغيرها».
وأضاف: «ربما كان اتساع الفضاء العام بشكل نسبى فى بعض الأوقات سببًا لوجود مثل هذه التجارب، التى عادت مجددًا بعد حالة السيولة التى أعقبت ثورة يناير ٢٠١١، فحينها قدم (الفن ميدان) تجارب عدة، توقفت بعد فترة وجيزة».
واستطرد: «أما على المستوى الرسمى حينها، فقد قدم مسرح الثقافة الجماهيرية تجارب لمسرح الشارع بميدان التحرير، إبان إدارة الناقد أحمد عبدالرازق أبوالعلا، ثم قدمت النوادى مسرح شارع لموسم أو اثنين، حسبما أذكر، ثم مسرح المقهورين، عبر ورشة للفنانة نورا أمين ببعض المحافظات، قدمت بعض عروضها بمدينة بنها، ثم توقفت تلك التجارب لأسباب متعددة، ربما لأن ظهورها ارتبط بعروض توعوية تدعو للمشاركة فى استفتاء دستور ٢٠١٤، كما قدم مهرجانًا دوليًا بدعم أوروبى لفنون الشارع بوسط البلد، لكن عروضه كانت أقرب للشكل الاحتفالى».
وعن الدراما المناسبة لعروض المكان المفتوح، أوضح «زيدان» أن تلك الدراما غالبًا ما تكون جاهزة سلفًا، وتعتمد على الإيهام، سواء استخدمت المكان تاريخيًا أو مسرحته بشكل مناسب لدراما العرض، فيما تعتمد بنية عروض الشارع على التفاعل المباشر عبر حلقة وهمية تحيط بمبدعى العرض، أو غيرها من الأشكال، وتعد «عروضًا فرجوية» تكون جاهزة مسبقًا لكن بها مساحات كبيرة للارتجال، متفق عليها، وأيضًا مشاهد بديلة تتغير حسب قوة اشتباك الجمهور مع الموضوع المطروح، بالإضافة إلى ممثل يمتلك مهارات خاصة ولياقة بدنية عالية لتقديم ألعاب شعبية وغناء ورقص وقدرة على التفاعل مع الجمهور.
وأشار إلى أن كل تلك العروض تواجه عمومًا مشكلات رقابية، نظرًا لمساحات الارتجال بها، إضافة إلى مشكلات إحكام التأمين والسيطرة على التجمعات، كما أنها تزدهر عمومًا مع ارتفاع سقف الحريات لكونها تناقش كل ما هو آنى ويهم المواطن.
فيما قال المخرج إسلام سعيد، وهو صاحب تجارب مميزة فى مسرح الشارع، إن مسرح الفضاءات المفتوحة يعد أحد أهم أنواع المسارح المختصة بتطوير الوعى العام للجمهور، ونشر حرية التعبير والفن الشعبى، لكنه للأسف يواجه صعوبات فى الإنتاج والتنظيم والدعاية. وأضاف: «فى حالة تقديم مسرح فضاءات مفتوحة، مثل مسرح المهمشين ومسرح العربة والشارع، فإننا نحتاج إلى هيكل إدارى كامل مناسب، لأننا لا نستطيع ممارسة الإدارة التقليدية للمسرح لإنتاج فنون فضاءات مفتوحة، كما أننى أرى ضرورة لتدخل الدولة وإمكاناتها فى صناعة هذا النوع من المسرح، لأن الفرق المستقلة وحدها لا تكفى كما أنها لا تتلقى الدعم الكافى ولا القبول من قطاع الثقافة الحكومية».
وعن القدرة على استغلال هذا النوع من المسارح فى مصر، قال المخرج سعيد سليمان، إن مسرح الفضاءات المفتوحة ينقسم إلى قسمين، الأول يعيد صياغة المكان نفسه، فعلى سبيل المثال يأخد المكان شكلًا مختلفًا عن شكله التقليدى، عبر تغيير ديكوراته أو تغيير مكان الجمهور، فيما يكون النوع الثانى خارج القاعات المغلقة، ويقدم فى الأماكن الأثرية أو الملاعب أو الشارع أو غيرها.
وعن النصوص المناسبة لهذا النوع من المسرح، قال: «هل يمكن تحويل أى نص إلى فضاء مختلف؟، والإجابة هى نعم بالتأكيد، لكن بشرط أن يعى المخرج المسرحى ما الذى يقدمه فى هذا الفضاء وعلاقته بالجمهور، بمعنى: هل هو يشارك الجمهور فى احتفالية ما أو كرنفال؛ فهنا يتحدد الفضاء على مستويين، الأول على مستوى الأحداث الدرامية بالنص نفسه، التى يمكن أن تكون تدور فى مكان أثرى أو شارع، بالإضافة إلى التوافق على شكل العلاقة بين الملتقى والمؤدى والجمهور، أى أن المكان هنا يتحدد بناءً على عنصرى الدراما ومدى فاعلية المتفرج». وأضاف: «قدمت عدة تجارب فى فضاءات مغايرة، مثل بيت زينب خاتون وبيت الهراوى ووكالة الغورى، كما قدمت تجارب فى فضاءات داخلية عبر تحويل القاعات نفسها، وكانت لى تجربة فى بيت أثرى دارت داخله الحكاية فى غرفه، وكان ذلك نتيجة مطلب درامى، جعل الشخصيات تختنق داخل منزلها، وهو ما اختلف مثلًا عن عروض وكالة الغورى التى تكون الشخصيات فيها أكثر حرية ورحابة».