جولة فى مدينة الأحلام
اضطرتني الظروف للذهاب في رحلة سريعة للمدينة الباسلة والجميلة دومًا بورسعيد، تعمدت فيها زيارة كل ما كنت أسمع عنه ولم أشاهده، ركبت المعدية الشيك إلى بورفؤاد عبر قناه السويس ونزلت من سيارتي؛ لأقف تحت أسراب طيور النورس وهي تطير فوق رءوسنا على بعد لا يزيد على متر واحد في مشهد بديع وجو منعش ليس له مثيل ولا في أوروبا، ثم استمتعت بالسير في طرقات المدينة وحولي فيللات العاملين بهيئة قناة السويس بطرازها المعماري الفرنسي الرائع وأسقفها المغطاة بالقرميد.
توجهت إلى منطقة الملاحات، حيث جبال الملح التي تشبه في بياضها قمم جبال الألب المغطاة بالثلوج، ثم اتجهت إلى مياه الملاحات، حيث يتراقص طائر الفلامنجو بسيقانه الطويلة والمقيم هناك بأسراب عديدة في منظر ولا أروع.
عدت أدراجي وقمت بالذهاب إلى الغرفة التجارية ببورسعيد وتعمدت السير في ميدان الشهداء "ميدان المسلة كما يحلو للبعض تسميته" والمغطي بطيور الحمام الأليفة، والتي تملأ ساحة الميدان بالآلاف وتقابلت مع السيد رئيس الغرفة الذي استقبلني بحفاوة وأنهي مهمتي سريعًا رغم مشغولياته ومسئولياته الجسيمة، فالسيد المحافظ سيحضر في مكتبه بعد ساعة لتوزيع حوالي ٣٠٠ محل تجاري على التجار وتفاءلت حينما رأيته يجهز لسوق أهلا رمضان، والذي يقام كل عام ويعرض خلاله معظم السلع الغذائية والاستهلاكية بأسعار مخفضة تتناسب مع دخل المواطن العادي.
غادرت مكتبه وأنا أشكره وأتمني له التوفيق من أجل استعادة المدينة الباسلة سابق رونقها وجمال شعبها الذي يتسم بالبساطة الممزوجة بروح البطولة.
استكمالًا لجولتي أبهرتني سوق السمك الجديدة بنظافتها وتنوع أسماكها الطازجة، وبجوارها البازار الجديد وأمامه جراج متعدد الطوابق وبعده سوق الـ(out let) الجديدة، التى تم توزيع محلاتها بمعرفة الغرفة التجارية.
في طريق العودة مررت على حطام ستاد بورسعيد، والذي تم تدميره بفعل التعصب الأعمى ويعلم الله متى ستتم إعادة بنائه مرة أخرى كرغبة الملايين من عشاق النادي المصري البورسعيدي.
قررت الذهاب لرؤية أرض المتحف بجوار ممشى ديليسبس بعد أن علمت عن تعاقد هيئة قناة السويس والمحافظة مع مطور عقارى لإقامة مبنى سكنى على أروع وأحدث طراز ليكون نقله نوعية للمبانى السكنية بالمحافظة، وفي الطريق دخلت شارع فلسطين الذي كان أهم وأجمل شوارع المدينة على الإطلاق والمطل بكامل طوله على قناة السويس.
وهالني ما شاهدت، المحلات التجارية والتي تم هدم معظمها منذ حوالي العام ما زالت أنقاضها موجودة وعليها كمية لا بأس بها من القمامة واستحالة أن تمر بسيارتك على أسفلت متهالك ومطبات لا نهائية.
والمحزن أن في منتصف هذا الطريق يوجد مبنى الفنار وهو أول مبنى خرساني في العالم وفقًا لموسوعة جينيس "مهمل تمامًا" وفي نهاية الطريق يوجد ممشى ديليسبس الذي تمت إزالة تمثال فرديناند ديليسبس منه وتركوا قاعدته خالية ونقلوه تحت جنح الظلام إلى متحف مجهول بالإسماعيلية في تصرف غريب وغير منطقي؛ خوفًا من أصوات الغوغاء التي ترفض عودته لمكانه، وكأن مسيو ديليسبس خائن وعميل في بورسعيد وطاهر وشريف في متحف الإسماعيلية.
غادرت مدينتي ومسقط رأسي حزينًا، ولكن لا يزال يداعبني أمل في غد أجمل.. وللحديث بقية لو كان في العمر بقية.