ذات يناير [2]
فى أعقاب ما حدث دعا رئيس الجمهورية الرئيس السادات إلى عقد اجتماع هام بمقر إقامته بالجيزة حضره نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ونائبا وزير الداخلية الجديدان وهما اللواء نبوى إسماعيل واللواء كمال خير الله ورؤساء أجهزة الأمن القومى (المخابرات العامة، مباحث أمن الدولة، المخابرات الحربية) وكان الهدف من الاجتماع ينحصر فى مناقشة احتمالات الموقف بعد تلك التطورات، وكان واضحا عمق الغضب الذى يحمله رئيس البلاد مما حدث، وكانت آخر تعليماته أنه لن يسمح بتكرار ما حدث، وأنه يجب الضرب فى المليان لدى أول بادرة لأعمال الشغب.
ويرى اللواء النبوى إسماعيل نائب وزير الداخلية فى ذلك الوقت أن أحداث 77 كان لها ظروف خاصة حيث فوجئت الجماهير فى الوقت الذى كانت تتطلع فيه لآمال وطموحات وحرب انتهت بالنصر بارتفاع فى الأسعار وهذه مقدمات طبيعية لأى رد فعل، وقد علقت على الروشتة التى قدمها الدكتور «القيسونى» لتحريك الأسعار بقولى إن لها جانبين الأول اقتصادى يفهمه القيسونى والآخر سياسى يغيب عن وعيه وهذه مهمة رئيس الوزراء بمعنى ضرورة التمهيد لمثل هذه القرارات إعلاميا واجتماعيا فوافق على كلامى وتم تأجيل المشروع، وفوجئت ذات يوم بصدور هذه القرارات دون أن أعرف فتبنت عناصر شيوعية هذه المسألة وهى التى كانت تتحمل قبل ذلك مسألة الأسعار فقادت تحركا فى الترسانة البحرية بالإسكندرية وآخر فى جامعة عين شمس وثالثا فى حلوان وبدأت التحركات تنادى بسقوط الغلاء وزيادة الأسعار إلى أن وصلوا وسط البلد فتمت المواجهة، ونتيجة اندساس العناصر المخربة قامت الحرائق وعمليات النهب والسلب فأدى ذلك إلى أن أطلق على ها الرئيس السادات «انتفاضة الحرامية».
وفى يوم 14 يونيو 1977 أصدرت محكمة جنايات أمن الدولة العليا بالقاهرة حكمها فى الجناية رقم 53 لسنة 1977 أمن دولة عليا التى اتهم فيها 44 مواطنا بأنهم حركوا وساهموا فى الأحداث فى جنوب القاهرة (منطقة حلوان) وقضت ببراءتهم.
والغريب أن حزب التجمع، المعقل الرئيس لليسار المصري، تبرأ من تلك الانتفاضة، جاء ذلك فى بيان أصدره حزب التجمع فى 24 يناير1977، أن عمليات التخريب قامت بها عناصر من عملاء المخابرات الأمريكية والرأسمالية الطفيلية طبقًا لمخطط هدفه إلصاق التهمة بالقوى الوطنية والتقدمية من أجل تصفية هذه القوى، وإجهاد حزب التجمع، حتى يشلوا قدرته على الدفاع عن مصالح الوطن!
وهكذا أصبح العصيان العمالى الذى شهدته مصر فى 18 و19 يناير، من وجهة نظر التجمع، مجرد مؤامرة قام بها عملاء المخابرات الأمريكية بهدف إجهاد حزب التجمع!
أما مجموعة «روز اليوسف» اليسارية فكانت ترى – كما ورد فى عدد 24/1/1977 – أن المسئولين عن أحداث العنف كانوا المشردين والصبية وقطاع الطرق ومحترفى الجريمة. واختلفت مجموعة «الطليعة» جزئيًا إذ دافعت، فى عدد فبراير 1977 عن «مشروعية الهبة الجماهيرية» وعن قيام المتظاهرين بقذف الأحجار ضد قوات الأمن المسلحة، لكنها أدانت أعمال الحرق والإتلاف والتخريب واعتبرت أن من قاموا بها هم مجموعة من الأحداث والصبية. وكان رأى أحد قيادتى الحزب الشيوعى المصرى تعليقًا على أحداث يناير فى حوار أجرته معه مجلة «أوراق ديمقراطية» التى كانت تصدر بالخارج – نشره حسين عبد الرازق فى كتابه عن 18 و19 يناير – أن المسئولين عن أعمال التخريب والعنف كانوا إما عناصر متخلفة الوعى أو جماعات مدسوسة من قبل السلطة.
ومع ذلك تظل تلك الانتفاضة لتضاف إلى ما قبلها من انتفاضات وإرهاصات فى سبيل الحرية والرخاء.
بلغ عدد الجرائم التى تم ارتكابها خلال أحداث هذين اليومين 530 حادثا على مسئولية مجلة الأمن العام العدد 78 يوليو 1977. وبتوزيعها طبقا لنوعيتها حسب التكييف الجنائى منها:
- 70 حادث حريق عمد.
- 325 إتلاف.
- 131 إتلاف مقترن بسرقة.
- 4 حوادث سرقة.
أما عدد الوفيات والإصابات فكان 44 قتيلا، أصيب معظم القتلى نتيجة صد محاولة اقتحام قسم باب الشعرية، كما سقطت أعداد أخرى متفرقة خلال أعمال التفريق.
عدد المصابين الذين وصلت بياناتهم الى أقسام الشرطة 249 مصابا من بينهم عدد 117 من أفراد الشرطة، 132من الأهالى.
كما بلغ إجمالى عدد المقبوض عليهم 638 متهما وقد تغير هذا العدد فى الأيام التالية وما تم اكتشافه من مصابين فى المستشفيات العامة والخاصة وعمليات التحرى والاشتباه. وبتحليل المتهمين المقبوض عليهم طبقا لفئات العمار اتضح أن عددا منهم:
- 38 أقل من 15 سنة.
- 388 من 15: 20 سنة.
- 140 من 21: 30 سنة.
- الباقى أكثر من 30 سنة
وبتحليهم طبقا لحرفتهم تبين الآتي:
- 347 من العمال والحرفيين.
- 13 من عمال القطاع العام.
- 136 من الموظفين الحكوميين.
- 24 من الطلبة.
- 18 من العاطلين.
- 2 مهندسين.
يرى الدكتور يونان لبيب رزق أن عملية التحول من النظام الاشتراكى إلى النظام الرأسمالى بدأت على استحياء بعد حرب أكتوبر 1973 حين بدأت الدولة تتخلى تدريجيا عن دورها الذى قامت به تجاه هذه الطبقة خلال العقدين السابقين وهو التحول الذى حدث لأكثر من سبب:
- سبب شخصى صادر عن قناعات الرئيس السادات الذى بدأ يعادى التوجهات السابقة وأن القائمين على الاتحاد الاشتراكى وعلى رأسهم على صبرى كانوا ينازعونه السلطة، وهم الذين كانوا يجسدون هذه التوجهات.
- وفر نصر أكتوبر 1973 شرعية جديدة للرئيس السادات بعد أن كان يستمد شرعيته من الرئيس الذى يسبقه وهو الرئيس جمال عبد الناصر، وهى الشرعية التى تصور أنها تخوله الحق فى هذه التوجهات.
- اعتمد الرئيس السادات على الولايات المتحدة والغرب باعتقاده أن حكومة واشنطن هى الأكثر قدرة على الضغط على إسرائيل.
- ما صحب حرب أكتوبر من ازدهار نفطى مما كان له مردود اجتماعى على المصريين جميعا، والطبقة المتوسطة على وجه الخصوص.