لست وحدك.. الحرب الأوكرانية تهدد بمجاعة عالمية
لأولئك الذين يتصايحون على الأوضاع في مصر، بسبب موجة التضخم التي تضرب العالم، نتساءل: هل مصر وحدها، أم أنها حلقة في سلسلة عالمية، تعاني دولها نفس المعاناة، بفارق بسيط، وهو أن مصر تواجه التحدي بفكر علمي حكيم، منع الآثار المدمرة، التي يعاني منها الجميع على وجه الكرة الأرضية؟.. يكفيك أنك تجد كل شيء بين يديك في الأسواق، على عكس آخرين، محكومين بزجاجة زيت واحدة أو كيس سكر لا غير.. وهنا أتحدث عن دول عريقة في الاتحاد الأوروبي.
سيكون العام الجديد (أصعب من العام الذي نتركه وراءنا)، كما قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيف.. لماذا؟.. (لأن الاقتصادات الثلاثة الكبرى- الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين- تتباطأ جميعها في وقت واحد)، في أكتوبر الماضي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2023، مما يعكس العبء المستمر من الحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى ضغوط التضخم وأسعار الفائدة المرتفعة، التي اعتمدتها البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بهدف إخضاع ضغوط الأسعار هذه.
أصبحت أزمة الغذاء العالمية المستمرة واحدة من أعقد عواقب الحرب الروسية- الأوكرانية، مما ساهم في انتشار المجاعة والفقر والوفيات المبكرة.. وبالرغم من الجهود المبذولة لمساعدة المزارعين الأوكرانيين على إخراج الغذاء من بلادهم، من خلال شبكات السكك الحديدية والطرق التي تربط أوروبا الشرقية، وعلى متن المراكب التي تسافر عبر نهر الدانوب، إلا أنه ومع حلول فصل الشتاء القارس وقيام روسيا بشن هجمات على البنية التحتية في أوكرانيا، تزداد الأزمة سوءًا، ويتفاقم نقص الغذاء بالفعل بسبب الجفاف في القرن الإفريقي والطقس القاسي غير المعتاد في أجزاء أخرى من العالم.. ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من 345 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، أو معرضون لخطر الإصابة به، أي أكثر من ضعف العدد المُسجل في عام 2019.. (نحن نتعامل الآن مع أزمة انعدام الأمن الغذائي الهائلة)، قالها أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، الشهر الماضي في قمة مع القادة الأفارقة في واشنطن، مضيفًا: «إنه نتاج الكثير من الأشياء، كما نعلم جميعًا، بما في ذلك الحرب بين روسيا وأوكرانيا).
وبسبب نقص الغذاء وارتفاع الأسعار يعاني الناس في جميع أنحاء إفريقيا وآسيا والأمريكتين.. ويشعر المسئولون الأمريكيون بالقلق بشكل خاص، بشأن أفغانستان واليمن اللتين دمرتهما الحرب، وتعاني مصر وغيرها من الدول الكبرى المستوردة لبعض الأغذية ومستلزمات الإنتاج صعوبة في سداد نفقاتها الأخرى بسبب ارتفاع التكاليف، وحتى في الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، أدى ارتفاع التضخم الناجم جزئيًا عن اضطرابات الحرب إلى ترك الفقراء دون ما يكفي من الطعام.. (تهاجم الحرب في أوكرانيا سلة الخبز في العالم، فقراء العالم، مما يزيد من الجوع العالمي عندما يكون الناس بالفعل على شفا المجاعة)، قالتها سامانثا باور، مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
ويشبه الأوكرانيون ما يجري الآن في العالم بـ(الهولودومور)، عندما دبر جوزيف ستالين مجاعة في أوكرانيا، التي كان يحكمها الاتحاد السوفيتي قبل تسعين عامًا وأودت بحياة الملايين.. إذ انخفض عدد السفن التي تبحر عبر هذا المضايق التركية، التي تربط موانئ البحر الأسود بالمياه الواسعة.. عندما شنت روسيا أوكرانيا قبل عشرة أشهر، وفرضت حصارًا بحريًا. وتحت ضغط دبلوماسي، بدأت موسكو في السماح لبعض السفن بالمرور، لكنها تواصل تقييد معظم الشحنات من أوكرانيا، التي كانت تصدر مع روسيا ربع القمح في العالم.. وفي الموانئ الأوكرانية القليلة التي تعمل، تشل الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار الروسية على شبكة الطاقة الأوكرانية، بشكل دوري، محطات الحبوب، حيث يتم تحميل القمح والذرة على السفن.
ذهب العديد من المزارعين في أوكرانيا إلى الحرب أو فروا من أراضيهم، وانهارت البنية التحتية التي كانت تعالج وتنقل القمح وزيت عباد الشمس إلى الأسواق الأجنبية.. في مزرعة على بعد 190 ميلًا جنوب كييف، تم تجنيد 40 من أصل 350 موظفًا في الجيش.. وتكافح المزرعة مع نقص آخر.. وقال كيس هويزينجا، المالك المشارك الهولندي، إن هجمات روسيا على شبكة الطاقة أدت إلى إغلاق مصنع يزود مزرعته وغيرها بالأسمدة النيتروجينية.. واضطرت مصانع أسمدة أخرى في أوروبا إلى الإغلاق أو إبطاء الإنتاج العام الماضي، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي نتيجة للحرب، فالغاز الطبيعي أمر بالغ الأهمية لإنتاج الأسمدة، (لذلك تم بالفعل تخفيض محصول هذا العام.. وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فقد يكون حصاد العام المقبل أسوأ)، ناهيك عن أن تكاليف النقل ارتفعت بشكل حاد بالنسبة للمزارعين في أوكرانيا.
قبل الحرب، كان المزارعون يشحنون 95% من صادرات البلاد من القمح والحبوب عبر البحر الأسود مقابل 24 دولارًا للطن، لنقل منتجاتهم إلى الموانئ وعلى متن السفن... الآن، زادت التكلفة بأكثر من الضعف، والطريق البديل- هو بالشاحنات إلى رومانيا- يكلف 85 دولارًا للطن.. وقد أدت تنازلات روسيا بشأن شحنات البحر الأسود إلى الحد نسبيًا من هذه المعاناة،، لكن إبطاء عمليات التفتيش يعرقل هذه العمليات.. وبموجب هذا الترتيب، يتعين تفتيش كل سفينة تغادر أحد الموانئ الأوكرانية الثلاثة على البحر الأسود، من قبل فرق مشتركة من الموظفين الأوكرانيين والروس والأتراك وموظفي الأمم المتحدة، بمجرد وصول السفينة إلى إسطنبول.
وفي حين أن الزيادات في أسعار المواد الغذائية في العام الماضي كانت حادة، بشكل خاص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأمريكا الجنوبية، لم تكن أي منطقة مُحصنة.. (أنت تنظر إلى زيادة أسعار كل شيء، من 60 في المائة في الولايات المتحدة إلى 1900 في المائة في السودان).. وقبل الحرب الأوكرانية، كانت أسعار المواد الغذائية قد ارتفعت بالفعل إلى أعلى مستوياتها، منذ أكثر من عقد، بسبب الاضطرابات الوبائية في سلسلة التوريد والجفاف المتفشي، بعد أن شهدت الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين، وهي جهات منتجة رئيسية للحبوب في العالم، ثلاث سنوات متتالية من الجفاف.. انخفض مستوى نهر المسيسيبي لدرجة أن الصنادل التي تحمل الحبوب الأمريكية إلى الموانئ تم إيقافها مؤقتًا.. كما أجبر ضعف العديد من العملات الأجنبية مقابل الدولار الأمريكي، بعض البلدان على شراء كميات أقل من المواد الغذائية في السوق الدولية مقارنة بالسنوات الماضية.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.