الأزهر.. والإبداع
في عام 1994 وبناء علبي طلب وزارة الثقافة أصدرت الجمعية العامة لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة برئاسة المستشار طارق البشري فتوي تؤكد أن الأزهر الشريف هو وحده صاحب الرأي الملزم لوزارة الثقافة في تقدير الشأن الإسلامي وذلك للترخيص أو رفض الترخيص للمصنفات الفنية (السمعية والبصرية).
وقالت الفتوى إن الأزهر هو الهيئة العليا التي أناطها المشرع الوضعي حفظ الشريعة الإسلامية والتراث ونشرهما وحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وإن شيخ الأزهر هو صاحب الرأي فيما يتصل بالشئون الدينية.
فقبل صدور تلك الفتوى كان الأزهر صاحب الشأن الإسلامي فعلًا في كل ما يصدر من كتب وأعمال فنية في مصر. وهو ما ظهر في بعض الوقائع التي تدخل فيها الأزهر الشريف باعتباره سلطة دينية.
ويقوم الأزهر بممارسة دوره في الرقابة عن طريق مجمع البحوث الإسلامية، الذي تتبعه إدارة البحوث والتأليف والترجمة بمراقبة الكتب والأعمال الدينية في مصر.
وفضلًا عن هذا توجد بعض نصوص القانون التي تتناول بالتجريم بعض الموضوعات التي تمس جوهر العقائد الدينية مما يوقع عددًا كبيرًا من المبدعين تحت طائلة القانون الجنائي.
في خلال فترة الجدل والنقاش والمحاورات التي سبقت قرار مجلس الدولة أمكن تحديد نقاط الاختلاف التي يمكن أن يتسبب عنها الصدام بين المبدعين والمتدينين.
وهي الموضوعات التي تتسبب دائما عند تناولها بكل الإشكال الإبداعية والفنية في إثارة الخلاف بين والمثقفين والمبدعين والكتاب من ناحية، ورجال الدين في الناحية الأخرى.
وهي الموضوعات التي يجب على المثقفين والمبدعين والفنانين والكتاب مراعاتها، وعدم الخوض فيها، وتفاديها والبعد عنها في أعمالهم الإبداعية حتى لا يتم الصدام بالمؤسسات الدينية.
وهي الأمور التي لو اتبعت بدقة فإن الأمر سيستقيم.
والأمور الخلافية التي يثور حولها الجدل والنقاش عبارة بعض الموضوعات تتعلق كلها بالمقدسات الدينية التي يشكل المساس بها مساسا بجوهر العقيدة الدينية، وهي موضوعات تتدرج من حيث درجة قداستها وإجلالها وتقديرها من محظورات بالغة التقديس إلى الممنوعات.
ولا خلاف على تلك الموضوعات بين مختلف الأديان بين الأديان المصرية. .
وقد أمكن تقسيم تلك الموضوعات إلى ثلاثة أقسام:
أولًا: موضوعات بالغة التقديس والإجلال.
وتلك الموضوعات هي:
- الذات الإلهية.
- الكتب الدينية المقدسة، وتشمل جميع الكتب السماوية المعروفة التي أنزلها الله على رسله، ومنها نصوص القرآن بالنسبة للمسلمين، والإنجيل للمسيحيين.
- شخصيات الأنبياء والرسل وأقوالهم وشخصياتهم وتصرفاتهم وما صدر عنهم من أفعال وأقوال.
- مفردات العقائد الدينية وتشمل العبادات والشعائر المقدسة للديانات السماوية.
ثانيًا: موضوعات ينبغي الحذر عند تناولها.
- عدم إظهار صور لشخصية الرسول صلي الله عليه وسلم صراحة أو رمزًا، أو صور زوجات الرسول، أو آل البيت، وصور الخلفاء الراشدين، والعشرة المبشرين بالجنة من أصحاب رسول الله، أو تقليد أصواتهم، مع الأخذ في الاعتبار أن الديانة المسيحية لا تمانع في هذا الأمر وتتقبل طواعية وجود صور متعددة للسيد المسيح والسيدة العذراء والقديسين.
- حظر تمجيد وتحبيذ وتحسين الدعوة إلى الإلحاد والكفر، والتعريض بالأديان السماوية والعقائد الدينية الخاصة بها بأي صورة من صور التعبير. على أنه مما تجدر الإشارة إليه أن بعض الدول الأوروبية المتقدمة تضع قيودًا على بعض العقائد التي تري أنها تؤثر تأثيرًا سياسيًا على استقرارها، وعلى الأخص الدعوات الشيوعية والنازية والعنصرية. كما أن بعض الدول الغربية تجرم التعريض بالأديان.
- آداء وتلاوة وقراءة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وجميع ما تتضمنه الكتب السماوية على نحو يخل بوقارها المفترض، أو تلحينها وإخراجها على صورة خلاف الصور الشرعية المعروفة فيما يعرف بعلم القراءات، من حيث عدم مراعاة أصول التلاوة، أو الخطأ في القراءة، أو عدم مراعاة تقديم الشعائر الدينية على وجهها الصحيح، وما يتبعها من الاحترام الذي يليق بها وتبجيلها وتوقيرها.
ثالثًا: موضوعات ينبغي الابتعاد عنها ما أمكن.
وهي الموضوعات التي قد لا يتقبلها الذوق الإنساني، التي ترفضها العادات والتقاليد والعرف في مصر. وهي:
- الابتعاد عن وصف العورات ورسمها وتصويرها بطريقة علنية بقصد إثارة الشهوات والغرائز البشرية، أو عرضها بصورة مجردة للكل وأماكن ارتياد الجمهور دون تمييز.
- الموضوعات التي تتناول أعمال الرذيلة والزنا وتمجيدها والإشادة بها، مما يوحي باتخاذها وسيلة لخدمة غايات نبيلة. وأيضًا عدم إعلاء شأن أعمال السحر والدجل والشعوذة.
- عرض مراسم الجنائز أو دفن الموتى، أو نقل الجثث، ونشر صور الموتى بما يتعارض مع جلال الموت وقدسيته واحترامه ومهابته، إلا ما يتعلق بمسائل كشف الجرائم أو التعليم والتدريب على مكافحة الجريمة وكشفها بالطرق العلمية.
- إظهار الجسم البشري عاريًا على نحو يتعارض مع المألوف وتقاليد المجتمع ومراعاة ألا تكشف الملابس التي يرتديها الممثلون عن العورات الواجب إخفائها، وإبراز الزوايا التي تفصل أعضاء الجسم، أو تؤكدها بشكل فاضح، وتتنافي مع المألوف من عادات المجتمع. وتصوير أوضاع الجماع، أوالمشاهد الجنسية المثيرة او مشاهده الشذوذ الجنسي، والحركات المادية والعبارات التي توحي بما تقدم.
تلك هي المحظورات هي التي غالبًا ما يتسبب عن تناولها الخلافات بين المثقفين والفنانين والمبدعين من جانب، ورجال الدين من الجانب الآخر.
وهي موضوعات مستمدة من النصوص الدينية والعرف والتقاليد والعادات التي ترسخت لدينا على مر العصور.
من جانبنا نري أن تلك الموضوعات لو التزم بها الكتاب والمثقفون والمبدعون لما ظهرت خلافات بينهم وبين القوي الدينية، ونري أنه ينبغي على الدولة تقنين تلك الموضوعات من خلال تشريعات واضحة وصريحة. ونأمل أن ينال الموضوع القدر الكافي من النقاش.