لقاء نهاية العام.. والعام
بـ«روح الشراكة الاستراتيجية»، التقى الرئيسان الروسى والصينى، صباح أمس الجمعة، عبر الفيديو، وكان مسموحًا لوسائل الإعلام بمتابعة الجزء الأول من مباحثاتهما، قبل أن تتحوّل إلى «اجتماع مغلق»، تناول عددًا من الموضوعات «بعضها أقرب إلى روسيا، والآخر أقرب إلى الصين»، بحسب تعبير ديمترى بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، الذى أشار إلى حرص الطرفين على إجراء محادثات قبل نهاية العام، ما عدّه البعض إشارة لافتة إلى كثافة الاتصالات على المستوى الرئاسى بين البلدين.
شراكة استراتيجية عميقة، واسعة النطاق، أو بلا حدود، تم توقيعها بين البلدين، خلال حضور الرئيس الروسى افتتاح أوليمبياد بكين، فى ٤ فبراير الماضى، أى قبل ثلاثة أسابيع من بداية الأزمة الأوكرانية. وفيها، أعلن الرئيسان فلاديمير بوتين وشى جين بينج عن رؤيتهما المشتركة للأمن الدولى، وطالبا بوقف توسيع حلف شمال الأطلسى، وانتقدا التأثير الأمريكى «السلبى» فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأكدا أنها يدعمان المنظومة التجارية متعددة الأطراف، ويعارضان أى عقوبات أو إجراءات أحادية الجانب.
مع ذلك، شكّكت تقارير غربية عديدة فى متانة العلاقات بين البلدين، وظهرت تحليلات وتنبؤات عجيبة، لمجرد إشارة بوتين، فى سبتمبر الماضى، إلى وجود «أسئلة ومخاوف» لدى الصين إزاء الوضع فى أوكرانيا، غير أن ديمترى ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومى الروسى، زار بكين، الأربعاء قبل الماضى، وجرى استقباله بـ«ترحيب حار»، ونقل إلى الرئيس الصينى رسالة من نظيره الروسى أشار فيها إلى «مستوى التعاون غير المسبوق بين البلدين». وفى اليوم نفسه، بدأت مناورات بحرية صينية روسية، فى بحر الصين الشرقى، استمرت حتى الثلاثاء الماضى، تضمنت تدريبًا على تدمير غواصة معادية بقنابل فى العمق.
هنا، ربما تكون الإشارة مهمة إلى أن البيان الختامى لـ«قمة حلف شمال الأطلسى»، التى استضافتها العاصمة الإسبانية مدريد، أواخر يونيو الماضى، ندّد بـ«الشراكة الاستراتيجية العميقة» بين روسيا والصين، و«محاولاتهما المتبادلة لزعزعة استقرار النظام العالمى»، وأبدت دول الحلف قلقها من «النفوذ الروسى والصينى المتزايد فى جناحه الجنوبى»، وقررت التصدى لهذا «التحدى».
وقتها، انتقد سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، هذا البيان، واتهم الدول الأوروبية بأنها لا تبدى أى اهتمام بمصالح روسيا أو أوكرانيا وبأن قراراتها تمليها عليها الولايات المتحدة، وقال، فى مؤتمر صحفى عقده مع نظيره البيلاروسى فلاديمير ماكى، إن «ستارًا حديديًا فى طور القيام»، يقيمه الغربيون. والشىء نفسه فعلته الخارجية الصينية، الذى وصف متحدثها الرسمى ما تضمنه البيان بشأن بلاده بأنه «لا يمت للواقع بصلة ويعرض الوقائع بشكل معاكس، ويمعن فى تشويه سياسة الصين الخارجية».
استخدام مصطلح «الستار الحديدى» لوصف الحدود الفاصلة بين الكتلتين الشرقية والغربية، كما أوضحنا أمس، بدأ منذ أن اتهم ونستون تشرتشل «الاتحاد السوفيتى» السابق، خلال خطاب شهير، ألقاه سنة ١٩٤٦ فى مدينة فولتون الأمريكية، بأنه يشكل الخطر الأكبر على العالم وبأنه أسدل ستارًا حديديًا على شرق أوروبا. وعليه، بما أن الصين هى المنافس الأكبر للولايات المتحدة، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا أيضًا، وبعد أن عززت الرغبة المشتركة فى كسر الهيمنة الأمريكية علاقاتها مع روسيا، بات فى حكم المؤكد أنها ستكون ضمن، وربما على رأس، الكتلة الشرقية الجديدة، التى سيفصلها «الستار الحديدى» الجديد، حال قيامه، عن الكتلة الغربية الجديدة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الروسى بدأ لقاء أو محادثات، أمس، بتهنئة نظيره الصينى بالعام الجديد، وقال إنهما يدافعان عن مواقفهما المبدئية فى مواجهة، «الضغوط والاستفزازات الغربية غير المسبوقة»، ووصف العلاقات الراهنة بين روسيا والصين بأنها الأفضل فى التاريخ، وتساعد على تشكيل نظام عالمى عادل، ثم أعرب عن رغبته فى «تعزيز التعاون بين القوات المسلحة للبلدين»، وتوقّع أن يزور «الرئيس العزيز، الصديق العزيز» موسكو فى الربيع المقبل، مؤكدًا أن هذه الزيارة «ستظهر للعالم مدى تقارب العلاقات الروسية الصينية». وفى المقابل، أكد الرئيس الصينى أن بلاده مستعدة لزيادة التعاون الاستراتيجى، ورفع مستوى التفاعل السياسى، مع روسيا، فى ظل ما وصفه بـ«الوضع الصعب» الذى يعيشه العالم.