مئوية الاتحاد السوفيتى
هذا هو اليوم رقم ٣٦٤ من السنة، الذى شهد سنة ١٩٢٢ ميلاد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، المعروف اختصارًا باسم الاتحاد السوفيتى، وجرى فيه، سنة ٢٠٠٦ إعدام، أو اغتيال، الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، وفى السنة السابقة، سنة ٢٠٠٥، ظهر عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السورى الأسبق، على قناة العربية، ليعلن انشقاقه عن النظام السورى، أو خيانته لسوريا، طبقًا لاتهام، أو تصويت، مجلس الشعب السورى، بالإجماع.
مائة عام مرت، إذن، على اتحاد خمس عشرة جمهورية، تضم أكثر من ١٢٥ قومية، فى كيان واحد، بلغت مساحته حوالى ٢٢.٥ مليون كيلومتر مربع، وكانت عاصمته موسكو، كبرى مدن جمهورية روسيا السوفيتية الاشتراكية، غير أن دميترى بيسكوف، المتحدث الرسمى باسم الكرملين، أعلن مبكرًا، عن عدم اعتزام روسيا الاحتفال بهذه المناسبة مذكرًا بكلمات الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، فى بداية ولايته الأولى: مَن لا يندم على انهيار الاتحاد السوفيتى هو رجل بلا قلب، لكن من يسعى إلى استعادته هو رجل بلا عقل.
مبكرًا، أيضًا، زار الشيوعيون الروس ضريح لينين، فى موسكو، ووضعوا أكاليل الزهور هناك، وزاروا أيضًا تمثال ستالين النصفى. وذكرت وكالة «نوفوستى» الروسية، فى ١١ ديسمبر الجارى، أن المسيرة، التى حملت أعلام الاتحاد السوفيتى، بدأت من النصب التذكارى للمارشال جوكوف، ونقلت عن يورى أفونين، النائب الأول لرئيس اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الروسى، أن الاحتفال يجب أن يُصبح شأنًا وطنيًا.
برغم العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة، خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن العلاقات بينهما تحولت إلى حرب باردة، وسباق تسلح نووى عنيف. وخلال خطاب شهير، ألقاه سنة ١٩٤٦ فى مدينة فولتون الأمريكية، اتهم ونستون تشرشل «الاتحاد السوفيتى» بأنه بات يشكل الخطر الأكبر على العالم، وبأنه أسدل ستارًا حديديًا على شرق أوروبا. ومن وقتها، بدأ استخدام مصطلح «الستار الحديدى»، لوصف الحدود الفاصلة بين الكتلتين الشرقية والغربية: الكتلة التى يقودها الاتحاد السوفيتى وتلك التابعة للولايات المتحدة.
لم يخترع رئيس الوزراء البريطانى، الأسبق والأشهر، هذا المصطلح، الذى أشعل الحرب الباردة، بل استلفه، غالبًا، من رواية للبريطانى آرثر ماتشن، صدرت سنة ١٨٩٥، عنوانها «المنتحلون الثلاثة»، أو من كتاب «عبر روسيا البلشفية» لإثيل سنودن، الذى صدر سنة ١٩٢٠، أو من عنوان كتاب السويدى بير إميل بروسيويتز «وراء الستار الحديدى الروسى»، الصادر سنة ١٩٢٣، أو من رواية الإسكتلندى إيه جى ماكدونيل «إنجلترا.. إنجلترا»، التى صدرت سنة ١٩٣٣، أو من مقال نشره جوزيف جوبلز، وزير الدعاية الألمانى، فى مايو ١٩٤٣. غير أن المصطلح ارتبط باسم رئيس الوزراء البريطانى الأسبق والأشهر، وظل متداولًا، حتى أعلن «مجلس السوفيت الأعلى»، فى ٢٥ ديسمبر ١٩٩١، رسميًا، انتهاء الاتحاد السوفيتى.
بتفكك الاتحاد، بدأت حقبة جديدة من تاريخ العالم، ورأى الغرب أن الفراغ الذى تركه مكسبًا له، وأثبتت مجموعة الدول التى نالت استقلالها صحة هذه الفرضية، أما المجموعة الأخرى، التى حاولت الإفلات من القبضة الغربية، الأمريكية، فواجهت أشكالًا مختلفة من الضغوط والمغريات، وصولًا إلى إشعال الثورات الملونة: سنة ٢٠٠٣ تفجرت «الثورة الوردية» فى جورجيا، وسنة ٢٠٠٤ وقعت «الثورة البرتقالية» فى أوكرانيا، التى أعيد إنتاجها سنة ٢٠١٤، وشهدت قيرغيزيا سنة ٢٠٠٥ «ثورة السوسن»، وقامت فى مولدوفا، أو مولدافيا، «ثورة العنب» سنة ٢٠٠٩ و... و... ويمكنك أن تعطى اللون الأسود، الخلفية التقليدية لكلمة النهاية فى الأفلام القديمة، لما شهدته كازاخستان، فى بداية العام الجارى، بعد تأكيد الرئيس الروسى، قولًا وفعلًا، أن بلاده لن تسمح بحدوث «ثورات ملونة» أخرى فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق.
.. وأخيرًا، لعلك تعرف أن طبعة، أو نسخة، مزيدة ومنقحة، من تلك الثورات المزعومة، وصلت إلى تونس فى ١٧ ديسمبر ٢٠١٠، وأطلقت شرارة ما يوصف بالربيع العربى، الذى كان ربيعًا عبريًا، بحسب البعض، أو أمريكيًا، وفق آخرين، وشاء القدر أن ينهيه المصريون بثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وأن تكون خاتمته، أو مقبرته، فى تونس أيضًا.