عيد النصر.. المصرى الخالص
النصر، الذى احتفلنا بعيده، أمس، الجمعة، كان مصريًا خالصًا، سواء بشقه العسكرى، الذى استبسلت فيه المقاومة الشعبية وقواتنا المسلحة أو بشقه الدبلوماسى، الذى قاده وزير خارجيتنا، الدكتور محمود فوزى، والسفير عمر لطفى، مندوبنا الدائم لدى الأمم المتحدة. ومعروف أن الأداءين العسكرى والدبلوماسى، هما وجها العمل السياسى، وأن ما لا يحسمه الأول يستكمله الثانى، والعكس. وهذا بالضبط هو ما فعلناه وقتها، ولاحقًا، وما زلنا نفعله إلى الآن.
فى ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦، خرجت القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية، تجر أذيال خيبتها من مدينة بورسعيد، بعد الانتصارين العسكرى والدبلوماسى. وليس صحيحًا أن النصر كان دبلوماسيًا، أو سياسيًا، فقط، إذ لم يستجب المعتدون للقرارات السبعة، التى صدرت عن الدورة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحديدًا للقرار السادس، إلا بعد الانتصار، الذى حققه أهالى بورسعيد ومتطوعون من كل المحافظات، قاتلوا ببسالة مع قواتنا المسلحة. ومع أن الولايات المتحدة، هى التى تقدمت بمشروع قرار إدانة العدوان، فى ٣٠ أكتوبر ١٩٥٦، إلا أن ليونيد مليتشين فى كتابه «ملفات سرية» كشف عن تورط المخابرات المركزية الأمريكية فى العدوان، وأوضح أنها كانت على علم بكل تفاصيل استعدادات بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
القرار الأممى السادس، الذى صدر فى ٧ نوفمبر ١٩٥٦، نص على ضرورة انسحاب الإسرائيليين إلى خلف خطوط الهدنة والحدود الدولية، وطالب بريطانيا وفرنسا بسحب قواتهما فورًا. غير أن «القتال من بيت لبيت»، الذى كان العنوان الرئيسى لجريدة الجمهورية الصادرة فى اليوم نفسه، استمر لستة أسابيع، بعد صدور القرار الأممى. وبالتالى، يغيظك، إذن، ويحرق دمك، أن تجد بيننا من يشككون فى انتصارنا العسكرى، بينما يقر البريطانيون والفرنسيون والإسرائيليون بهزيمتهم فى المعركتين العسكرية والدبلوماسية. ونشير، بالمرة، إلى أن وثائق عديدة أظهرت عدم جدية الإنذار السوفيتى بضرب لندن وباريس وتل أبيب بالصواريخ النووية.
وثائق عديدة أكدت، أيضًا، أن بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، حاولت تصفية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر معنويًا، تمهيدًا لاغتياله. وذكرت إحدى تلك الوثائق أن «نيكولاس إليوت»، رجل المخابرات البريطانية ذهب إلى تل أبيب، قبل العدوان بأشهر، لتنفيذ جانب من مخططات لجنة «دوس باركر»، التى شكلتها الخارجية البريطانية، لاستخدام الوسائل غير العسكرية فى إسقاط عبدالناصر بـ«الدعاية السوداء»، وجرى تكليف هيئة الإذاعة البريطانية، «بى بى سى»، بتبنى سياسة إعلامية أشد عدوانية. ومع «وكالة الأنباء العربية» التى كانت تمولها المخابرات البريطانية، تم إطلاق إذاعة «صوت مصر الحرة»، من «عدن»، التى بدأت تبث برامجها فى ٢٨ يوليو ١٩٥٦. وبالتزامن، ظهر أنتونى إيدن، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، ممسكًا بورقة سوداء، وقال لمشاهديه: «انظروا.. هذا هو سجل عبدالناصر».
هذا هو «إيدن»، الذى أسقطت الهزيمة حكومته، وما زالت استطلاعات الرأى البريطانية تؤكد، إلى الآن، أنه كان أسوأ رئيس وزراء فى تاريخ بريطانيا. كما أكد «د. ر. ثورب»، فى كتابه «حياة وعصر أنتونى إيدن» الذى خصص لـ«كارثة حرب السويس» ٨٠ صفحة، أن تلك الكارثة قادت إلى «تمزق كل ما تبقى من إرث الإمبراطورية البريطانية». أما حكومة جاى موليه، فقد أدت الأزمات المتكررة التى شهدتها فرنسا إلى حالة من عدم الاستقرار، ثم إلى أزمة مايو ١٩٥٨ التى أعادت شارل ديجول إلى العمل السياسى بعد ١٢ سنة من الغياب مشترطًا وضع دستور جديد، ومنحه صلاحيات استثنائية. وبالموافقة على الدستور الجديد، فى ٢٨ مايو ١٩٥٨، انتهت الجمهورية الفرنسية الرابعة.
الخلاصة، هى أن «المصريين قطعوا ذيل الأسد»، فى ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦، والعبارة، أو الشهادة، قالها الرئيس السوفيتى نيكيتا خروتشوف، حرفيًّا، لسفيرنا فى موسكو، محمد القونى، واختارها محمد حسنين هيكل عنوانًا للطبعة الإنجليزية من كتابه «ملفات السويس». ونعتقد أن العبارة أو الشهادة، تناسب جدًا ما قامت وتقوم به، دولة ٣٠ يونيو التى قطعت، ولا تزال، كل ذيول ذوات الأربع، التى تريد بنا شرًا.