إيجار قديم.. الحُكم بعد المسلسل
بعد احتلاله المركز الأول من حيث نسب المشاهدة، انتهت حلقات مسلسل «إيجار قديم» تأليف عمر الدالى، إخراج طارق رفعت، بطولة شريف منير، محمد الشرنوبى، صلاح عبدالله، ميمى جمال، فيدرا، حازم سمير، رحمة حسن، هشام إسماعيل.
يدور المسلسل حول أزمة رمزى «شريف منير»، الذى يجد نفسه بلا مأوى رغم امتلاكه عمارة إيجار قديم، يعرض عليه أحد سكانها حسين «صلاح عبدالله» أن يستضيفه فى شقته، يستجيب رمزى ويقيم مع حسين ليشاركه الكثير من المفارقات، يتوفى حسين ويطالب ابنه طارق «محمد الشرنوبى» بأحقيته فى شقة والده، إلا أن رمزى يعارضه، على اعتبار أن الشقة تعود ملكيتها له بصفته مالك العمارة، خاصة أن طارق لم يكن مقيمًا فى الشقة مؤخرًا، وهو ما ينص عليه قانون الإيجار القديم، يضطر طارق إلى الإقامة مع رمزى حتى تصدر المحكمة حكمها بأحقية أحدهما فى الشقة، نرى الكثير من المفارقات التى تغير شكل العلاقة بين رمزى وطارق من الكراهية إلى التفاهم والود، وهو ما ينتهى عليه المسلسل دون إشارة لحكم تمكين الشقة لطارق أو رمزى.
قصة تبدو غير جديدة.. ربما، لماذا إذن لاقى المسلسل كل هذا النجاح؟ سؤال مشروع ولكنه ليس لغزًا، الإجابة ببساطة تكمن فى النص.. المعالجة والشخصيات، لقد قدم لنا المؤلف عمرو الدالى شخصيات شديدة الواقعية، تتصرف بعفوية وبساطة، مما أسهم فى كسب تعاطف الناس وتوحدهم مع ما يشاهدونه، فبعيدًا عن الإطار المعلب لسكان الكومباوندات المغلقة، لدينا هنا سكان عمارة يشبهون آلاف السكان للعمارات القديمة المنتشرة فى أرجاء القاهرة، ليلى «إلهام وجدى» السيدة المطلقة، التى تحتضن ابنها وتعانى الكثير من المشكلات مع طليقها، بخلاف نظرة المجتمع لها كمطلقة، ثريا «ميمى جمال»، التى تعانى الوحدة بعد بلوغها سنًا متقدمة، ربيع المحامى «هشام إسماعيل» المضطر لجعل شقته مكتب محاماة حاله حال الكثير من المحامين والأطباء، حازم «حازم سمير» رب الأسرة الذى يلجأ للعمل كابتن أوبر، لتغطية مصاريف أسرته مثل آلاف الشباب، ريم «رحمة حسن» التى تواجه فتور العلاقة الزوجية، رغم الحب المتبادل بينها وبين زوجها حازم.
شخصيات تم بناؤها بشكل متوازن مما أسهم فى تقبلها والتعاطف معها، فكل شخصية تحمل صفات ودوافع واقعية أثرت الصراع فيما بينها بشكل صادق ومقنع، لدينا مثلًا العلاقة بين حسين وابنه طارق، هناك محبة متبادلة، لكن رغبة طارق فى الاستقلال واتخاذ قرارات حياته كان نتاجه حدوث فجوة فيما بينهما لا نستطيع أن ندين أيًا منهما فى حدوثها، فكلاهما لديه منطق ودافع يحركه، حسين يحركه خوف الأب، وطارق منحاز لعاطفته وإصراره على أن يكون صاحب القرارات المصيرية فى حياته.
أيضا هناك الصراع بين طارق ورمزى، فطارق يرى أنه الوريث الشرعى لشقة والده، التى يحتاجها لعدم قدرته على إيجاد غيرها، بينما يرى رمزى أنه صاحب العمارة وبالتالى فالشقة من حقه وفق القانون بعد أن أصبح غير ممتلك لسكن بديل، خاصة أن طارق كان غير مقيم فيها لفترة طويلة، كلاهما هنا محق، وبالتالى من الصعب أن يتخذ الجمهور صف أى منهما.
انتصار المسلسل للقيم الإنسانية النبيلة هو أكثر ما يحسب لصنّاعه، فنرى تسامح ريم وحازم بعد أن ثقلت كفة الحب وتجاوزا بسببها خلافاتهما العاصفة، نرى أيضًا تأثير الأزمة الصحية التى تعرض لها رمزى وكيف دفعت طارق رغم عدائه وخصومته معه إلى أن يسعفه ويصطحبه إلى المستشفى، قبل أن تنقلب العداوة لمحبة، إلى الحد الذى يتحول فيه حكم المحكمة المنتظر فى أحقية أحدهما للشقة لأمر هامشى غير مهم، وهو ما برر انتهاء أحداث المسلسل دون أن نعرف الحكم بالرغم من انتظارنا له طوال الحلقات، فى الوقت نفسه قدم المؤلف سياقًا أقنعنا كمشاهدين بتحول العلاقة بينهما من النقيض إلى النقيض، كما يحسب له تكريسه للدفء والود الذى ساد العلاقة بين جميع الجيران، فجاءت تسمية المسلسل لإيجار قديم كدلالة على القيم القديمة التى افتقدناها فى زمن أصبح الجيران فى حالات كثيرة لا يتبادلون التحية إذا ما صادف أحدهما الآخر.
تميز أبطال المسلسل بشكل كبير فى أداء أدوارهم، خاصة شريف منير الذى قدم أداءً سلسًا ومحببًا لدور رمزى، أيضا محمد الشرنوبى الذى أكد امتلاكه قدرات تمثيلية عالية، بلغت ذروتها فى مشهد وفاة حسين، كما أضاف حضور ميمى جمال الكثير لشخصية ثريا، وبرع ممثلو الأدوار الثانية فى أدائهم التمثيلى، خاصة حازم سمير ورحمة حسن وإلهام وجدى وأحمد أبوزيد وبسمة داود.