القمة الأمريكية الإفريقية
بدعوتها أكثر من ٤٥ قائدًا إفريقيًا، تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة وجودها السياسى والاقتصادى والعسكرى، فى القارة السمراء، متنافسةً مع دول أوروبية من جهة، ومع اليابان والصين وروسيا من جهة أخرى، ونتمنى أن تقود هذه المساعى، أو هذا التنافس، إلى بناء شراكات حقيقية من أجل تنمية يقودها الأفارقة الراغبون فى التعاون مع كل الشركاء، بنيات صادقة، وأسواق مفتوحة، وظروف استثمارية مهيأة.
القمة، التى تبدأ أعمالها، اليوم الثلاثاء، فى واشنطن، وتستمر ثلاثة أيام، هى «القمة الأمريكية الإفريقية» الثانية، بعد القمة، التى انعقدت فى أغسطس ٢٠١٤، وتهدف، حسب الخارجية الأمريكية، إلى «تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، خاصة فى مجالات التجارة والاستثمار، وتسليط الضوء على التزام الولايات المتحدة بأمن القارة، وتطورها الديمقراطى». غير أن جريدة «ستارز آند سترايبس»، Stars and Stripes، التى يصدرها الجيش الأمريكى، نقلت عن مسئول رفيع، بوزارة الدفاع، الخميس الماضى، أن الولايات المتحدة تحتاج «إلى نهج أكثر حداثة للدفاع عن المصالح والحلفاء فى ثانى أكبر قارة فى العالم»، مشيرًا إلى أن من بين أهداف القمة «تعميق العلاقات فى الأماكن التى تحقق فيها روسيا والصين نجاحًا».
ما قاله المسئول العسكرى المجهول، يترجم بشكل فج، أو أكثر وضوحًا، الكلام الدبلوماسى الناعم، ويختلف كثيرًا عن تصريحات تشيدى بلايدن، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكى للشئون الإفريقية، للموقع الرسمى لوزارة الدفاع، الثلاثاء الماضى، التى أشار فيها إلى أن استراتيجية الولايات المتحدة للتعاون مع دول إفريقيا تغيرت، وأكد أن المسئولين العسكريين والدبلوماسيين والاقتصاديين الأمريكيين، سينصتون باهتمام إلى حديث الأفارقة عن احتياجاتهم وأهدافهم ومخاوفهم. كما أشار «بلايدن» إلى أن عمل وزارة الدفاع الأمريكية مع الدول الإفريقية يقوم على ثلاثة أبعاد: الدفاع والتنمية والدبلوماسية.
مبكرًا، أتاح «منتدى التعاون الصينى الإفريقى» لبكين أن تصبح الشريك الأول للقارة. وعلى الدرب نفسه، سارت روسيا، واستضافت مدينة سوتشى، فى أكتوبر ٢٠١٩، القمة الروسية الإفريقية، وعبر مؤتمر «تيكاد»، الذى استضافت تونس دورته، أو قمته، الثامنة، فى أغسطس الماضى، تحاول اليابان تحقيق التكامل الإقليمى والاقتصادى المنشود. وهناك أيضًا «قمة مجموعة العشرين وإفريقيا»، التى تم إطلاق دورتها الأولى سنة ٢٠١٧ بمبادرة ألمانية، بهدف توفير ظروف أفضل للتجارة والاستثمار والشراكة المتساوية، و... و... ومع «القمة الأمريكية الإفريقية» المرتقبة، نكون أمام مرحلة جديدة من صراع العمالقة على القارة السمراء.
خلال جولة إفريقية، قام بها فى الثلث الأول من أغسطس الماضى، أعلن أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، عن «استراتيجية جديدة» للتعاون مع القارة السمراء، ترتكز على تعزيز الانفتاح، الذى قال إنه سيتيح للأفراد والمجتمعات والدول اختيار طريقهم الخاص.. وتعزيز التحول الديمقراطى.. والتعافى من آثار وباء «كورنا المستجد» الكارثية.. ومواجهة التغيرات المناخية والانتقال إلى الطاقة النظيفة.
اللافت، أن تلك الجولة، التى شملت جنوب إفريقيا والكونغو الديمقراطية ورواندا، جاءت بعد أيام قليلة من جولة إفريقية قام بها سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، أعرب خلالها عن تقدير بلاده مواقف الدول الإفريقية المتوازنة من الأزمة الأوكرانية، مقدمًا «احترامه العميق» للدول التى لم تخضع للضغوط الخارجية ولم تنضم إلى العقوبات ضد روسيا، ومؤكدًا أن بلاده حريصة على بناء شراكة شاملة مع دول القارة وستواصل الوفاء بالتزاماتها، لتزويدها بالأغذية والأسمدة والطاقة، تأسيسًا على قرارات القمة الروسية الإفريقية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن دور مصر فى تعزيز التنمية بالقارة السمراء، ينطلق من أجندة إفريقيا ٢٠٦٣، التى تحمل رؤية القارة لتحقيق تنميتها المستدامة، ويتأسس على محاور واضحة، تضمنها خطاب الرئيس السيسى، فى فبراير ٢٠١٩، فور توليه رئاسة الاتحاد الإفريقى: تنمية القدرات البشرية بزيادة الاهتمام بالتعليم وتطويره.. تطوير مجالات البحث والابتكار.. تعزيز الاستثمار فى الشباب الإفريقى و... و... وفى مناسبات وسياقات عديدة، سابقة ولاحقة، أكد الرئيس حرص مصر على تطوير علاقات التعاون مع دول القارة والشركاء الدوليين، فى مختلف المجالات، لتعظيم المصالح المتبادلة وتحقيق الاستغلال الأمثل للفرص المتاحة.