القمم العربية الصينية
فى القرن الخامس عشر، قام القائد البحرى الصينى، تشنج هى، بسبع رحلات، استغرقت ٢٨ سنة، إلى جنوب آسيا وشبه الجزيرة العربية وشرق إفريقيا. واليوم، الأربعاء، يصل الرئيس الصينى، شى جين بينج، إلى المملكة العربية السعودية، فى زيارة تستمر ثلاثة أيام، يشارك خلالها فى ثلاث قمم، مع قادة السعودية، ودول الخليج، وعدة دول عربية، لبحث سبل تعزيز العلاقات المتميزة، ومناقشة آفاق التعاون الاقتصادى والتنموى.
لا يزال التبادل التجارى بين الصين والدول العربية تقليديًا ومحصورًا فى التبادل النمطى، مثل الطاقة، والمنتجات الصناعية، ولم يتوسع بالشكل المطلوب فى مجالى الاقتصاد الرقمى والاتصالات، وغيرهما من المجالات غير النمطية. كما لم يحقق التعاون بين الجانبين تقدمًا كبيرًا فى تحقيق الأمن الغذائى، لأكثر من مليارى نسمة، يسكنون هذه الدول، ولم يستفِد بالقدر الكافى من الطاقات والقدرات المتوافرة والكامنة، ولم يحرز تقدمًا ملموسًا فى التكامل الاقتصادى الذى تحتاجه السوق العربية الصينية والأسواق المجاورة.
آفاق كبيرة، وأبواب واسعة، إذن، مفتوحة أمام التعاون الاقتصادى والتنموى العربى الصينى، خاصة فى ظل الظروف الدولية المضطربة، التى تتطلب تضافر كل الجهود لرسم استراتيجية تؤسّس لمستقبل جديد للعلاقات، التى قد تسهم فى صناعة نظام دولى جديد بأقطاب متعدّدة، يقوم على قيمتى الحرية والعدالة، بعد أن تمكّن قطب واحد من اختطاف وإحكام قبضته على النظام الدولى القائم، واستخدامه فى دهس هاتين القيمتين.
لا تُخفى الصين رغبتها فى إعادة تشكيل العالم وتصدير نموذجها، الذى تراه الأنسب لهذا «العصر الجديد». والعصر الجديد هو الوصف الذى يستخدمه الحزب الشيوعى الصينى الحاكم، لوصف رؤية، أو مرحلة الرئيس الحالى، المرحلة الثالثة من تاريخ الصين المعاصر، بعد مرحلة ماو تسى تونج، التى استهدفت توحيد البلاد بعد الحرب الأهلية، ومرحلة دنج شياو بينج، التى جعلت الصين ثانى قوة اقتصادية فى العالم.
تحت عنوان «التعاون الصينى العربى فى العصر الجديد»، أصدرت الخارجية الصينية، منذ أيام، تقريرًا طرحت فيه خارطة طريق للتعاون بين الجانبين، وشدّدت على أن الصين ترفض سياسة الهيمنة بكافة أشكالها، وتدعو إلى احترام ودعم كافة الدول فى اختيار طرقها التنموية، بإرادتها المستقلة، وفقًا لظروفها ومقدراتها، لافتة إلى أنها، بعد الاضطرابات التى شهدتها بعض الدول العربية، منذ عشر سنوات، دعمت تلك الدول، بثبات، حتى تستكشف الطرق التنموية بإرادتها المستقلة، وتستعيد استقرارها فى أسرع وقت ممكن، وعارضت تدخل القوى الخارجية فى شئونها الداخلية.
تقرير الخارجية الصينية استعرض العلاقات بين الجانبين، خلال القرن الماضى، بدءًا من الدور الذى لعبه مؤتمر باندونج، سنة ١٩٥٥، فى إقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية العربية، وصولًا إلى مبادرة «الحزام والطريق»، التى أطلقها الرئيس الصينى، سنة ٢٠١٣، وجرى بموجبها توقيع وثائق تعاون مع ٢٠ دولة عربية، لتنفيذ أكثر من ٢٠٠ مشروع ضخم فى مختلف المجالات.
استعدادًا للقمم الثلاث، أيضًا، وتحديدًا للقمة العربية الصينية الأولى، التى ستكون محطة مهمة فى مسيرة الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، عقدت جامعة الدول العربية، فى ٨ سبتمبر الماضى، الدورة الثالثة لـ«المنتدى الصينى العربى للإصلاح والتنمية». وفى جلستها الافتتاحية، أشاد خلالها خليل الذوادى، الأمين العام المساعد، المشرف على قطاع الشئون السياسية الدولية بالجامعة العربية، بجهود الدبلوماسية الصينية لدعم القضايا العربية وإيجاد حلول سلمية للأزمات القائمة فى المنطقة، داعيًا إلى تضافر الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد الحلول السياسية لهذه الأزمات، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية والمرجعيات ذات الصلة.
.. وتبقى الإشارة إلى الصين احتفت بـ«تشنج هى»، سنة ٢٠٠٥، بمناسبة مرور ٦٠٠ سنة على بدء رحلاته، ووصفته بأنه «رسول المهمات الدبلوماسية» و«رجل السلام الذى لم يشعل حربًا ولم يقتل أحدًا». وقد تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى أن هذا القائد البحرى الصينى، خلال رحلاته السبع، التى بدأت سنة ١٤٠٥ وانتهت فى ١٤٣٣، كان يحمل إلى الدول، التى زارها، بضائع كثيرة من المنسوجات الحريرية والمجوهرات والعقاقير الطبية، إذ كانت تلك هى التى الطريقة التى تتبعها الإمبراطورية الصينية، للتقارب مع شعوب الدول الأخرى.