الإنجيليون.. والكاثوليك
خلال الفترة الماضية تداول رواد شبكات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأحد القمامصة يدعى القمص صموئيل البحيري يقول فيه إن زواج الإنجيليين هو زنى وكذلك زواج الكاثوليك ولا بد من إعادة زواج هؤلاء داخل الكنيسة الأرثوذكسية على يد كاهن أرثوذكسي وبطقوس أرثوذكسية لأن الزواج الأرثوذكسي هو الزواج الصحيح وما عداه فهو زنى!!.
ومن المؤسف أن هذه التصريحات يرددها بعض المتعصبين من حين لآخر نتيجة خطاب ديني متعصب ورافض للآخر تردد منذ عدة عقود داخل الكنيسة.
ولي بعض الملحوظات على ما قاله القمص البحيري:
أولا: إن الزواج هو أمر مدني لا ديني وهو موجود منذ البدء وقبل أن توجد الكنيسة الأرثوذكسية فهل مليارات الزيجات السابقة لوجود الكنيسة الأرثوذكسية تعتبر زنى؟!
وماذا عن زواج آدم وحواء هل زوجهما الله بطقوس أرثوذكسية؟! وماذا عن زواج أنبياء العهد القديم إبراهيم وإسحق ويعقوب وغيرهم؟! هل كان كل هؤلاء زناة لأنهم لم يتزوجوا في الكنيسة الأرثوذكسية؟!
ثانيا: إذا كان زواج الإنجيليين والكاثوليك زنى لأنه لم يتم في الكنيسة الأرثوذكسية فماذا عن زواج المسلمين والبوذيين والهندوس وغيرهم من البشر الذين يعيشون معنا على هذا الكوكب الواسع الشاسع المترامي الأطراف؟!
ثالثا: إن رسل السيد المسيح وتلاميذه لم يزوجوا أى أحد، كما أن المسيح أسس فقط فريضتى العشاء الربانى والمعمودية، ولم يرسم فريضة للزواج ولم يضع طقوسًا له، كما أنه لم يقم بإجراء مراسيم دينية لأى زوجين، فحضوره عرس قانا الجليل كان حضورًا عاديًا مع القديسة العذراء مريم ولم يكن لإجراء أي مراسيم دينية، هذا فضلًا عن أن المسيح لم يضع تشريعًا معينًا للحياة، ولكنه وضع مجموعة من القيم والمبادئ التى تصلح لكل زمان ومكان.
رابعا: لعدة قرون بعد المسيح، كان المسيحيون يتزوجون مثلما كانت تتزوج الشعوب التى ينتمون إليها، فكان الزواج يُعد عملًا بشريًا ينظمه المجتمع ولم تكن الكنيسة تتدخل فيه، وفى القرن الثامن بسبب الزواج بين أقرباء العصب، وزنى ذوى القربى، قرر مجمع فرنوى أن تبادل الرضى بين الزوجين لا بد أن يتم علنًا، وأثناء القرنين القرن الحادى عشر والثانى عشر، أضحى من الواجب أن يُحتفل بالزواج أمام باب الكنيسة، وفى القرن السادس عشر صدر كتاب رتبة الزواج فى ١٦١٤م لكى تُقر الكنيسة بأنه لايجوز أن يُعقد الزواج عند باب الكنيسة، بل فى داخلها فى مكان لائق بالقرب من المذبح وأمام خورى، وهنا تدخلت الكنيسة فى موضوع الزواج منذ القرن السادس عشر. فأحداث التاريخ تؤكد لنا أن الزواج كان مدنيا لكافة المسيحيين ولم يصبح كنسيا إلا في القرن السادس عشر فهل كان جميع المتزوجين قبل هذا التاريخ زناة؟!.
خامسا: يوجد مليارات من البشر في عالمنا اليوم ينتمون للكنيسة الكاثوليكية وللكنيسة الإنجيلية فهل كل هؤلاء زناة لأنهم لم يتزوجوا في الكنيسة الأرثوذكسية وعلى يد كاهن أرثوذكسي وبطقوس أرثوذكسية؟!
سادسا: أعرف أنه يوجد داخل الكنيسة الأرثوذكسية كهنة وأساقفة ينتمون لأسر إنجيلية وبعضهم ثمرة زواج تم في كنائس إنجيلية فهل هذه الأسر التي أنجبت هؤلاء الأساقفة والكهنة زناة لأنهم لم يتزوجوا في الكنيسة الأرثوذكسية؟! وهل هؤلاء الأساقفة والكهنة أبناء زنى؟!.
سابعا: يحكي لنا التاريخ أن مونيكا تزوجت رجلا وثنيا
ونتج عن هذه الزيجة ولادة القديس أغسطينوس فهل أغسطينوس ابن زنى لأن والده لم يكن مسيحيا ولم يتزوج في كنيسة أرثوذكسية؟!
ثامنا: إن ما قاله القمص صموئيل البحيري هو خطاب كراهيه مقيت لا يصدر إلا من عقل ضيق الأفق وقلب غير رحب وما هذه التصريحات إلا ترهات ومهاترات تندرج تحت جرائم السب والقذف واتهام ملايين من الشرفاء من الإنجيليين والكاثوليك بالزنى وهذه تهم يعاقب عليها القانون .
تاسعا: إن تصريحات القمص تؤكد أنه أحادي النظرة وأصولي التفكير مما يؤكد أن جميع الأصوليين الدينيين - على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم - الرافضين للآخر المغاير يقفون معا على أرضية التعصب والانغلاق الفكري والتحزب فهذا يكفر الآخرين وذاك يتهمهم بالهرطقة وهذا يعتبر زواجهم زنى وهنا لافرق في طريقة التفكير بين القمص صموئيل البحيري ومن على شاكلته وبين المتطرفين من السلفيين وجماعة الإخوان المسلمين فجميعهم يرفضون الآخر وينظرون إليه باستعلاء ظنا منهم أنهم فقط الذين يسيرون في طريق الصواب وأن غيرهم على باطل وأنهم الوحيدون الذين سيذهبون للجنة وغيرهم إلى الجحيم ظنا منهم أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة!.
عاشرا: بعد الضجة التي أثيرت حول فيديو القمص البحيري قدم ما زعم أنه اعتذار وليته ماأقدم على هذه الخطوة لأنه للأسف أكد نفس كلامه السابق بطريقة أخرى فانطبق عليه المثل الشعبي "جه يكحلها عماها".
حادي عشر: إن مجلس كنائس مصر عليه أن يتصدى بقوة لمثل هذه المهاترات والترهات والسخافات وألا يقف مكتوف الأيدي وأن يكثف من أنشطته بغية الوصول إلى القاعدة الشعبية وتقديم رسالة التنوير والمحبة وقبول الآخر للمتعصبين من كافة المذاهب.
ثاني عشر خالص الشكر والتقدير لقداسة البابا تواضروس الثاني، الذي أكد للدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية خلال فعاليات المؤتمر الدولي بمكتبة الإسكندرية «التعايش والتسامح وقبول الآخر.. نحو مستقبل أفضل». رفضه التام لأي تصريحات تتعلق بقضايا الزواج الإنجيلي، مؤكدا أنه يجب ألا يتم الالتفات إلى أي تصريحات غير الصادرة من قداسته أو مكتبه، كما أفاد قداسته بأنه لن يكتفي بمساءلة الإيبارشية للقمص، بل سيقوم بمساءلته بنفسه.
كما أكد قداسة البابا تواضروس الثاني على احترامه وتقديره للزواج بالكنيسة الإنجيلية، واعتزازه بالعلاقة المتأصلة بالمحبة مع الطائفة الإنجيلية.
وختاما.. إن قداسة البابا تواضروس يتمتع برجاحة العقل واستنارة الفكر وسعة الصدر وإنني أثق أنه قادر على عمل اللازم للحد من هذا التعصب وللحد من خطابات الكراهية التى يرددها وينشرها بعض المتعصبين من حين لآخر والتي في حقيقة الأمر تسىء - أول ما تسيء - إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية!!