مصر ومجموعة العشرين
أيام وتتولى الهند رئاسة مجموعة العشرين، لمدة سنة. وتأكيدًا للروابط التاريخية التى تجمعنا بها، قيادةً وحكومةً وشعبًا، ونظرًا لمكانة مصر الإقليمية والدولية، ومع تعاظم دور دولة ٣٠ يونيو المؤثر فى القضايا والملفات الاقتصادية الرئيسية، جرت دعوتها للمشاركة كضيف شرف فى اجتماعات المجموعة خلال فترة الرئاسة الهندية.
مجموعة العشرين، التى توصف بأنها مجلس إدارة العالم، يقع على عاتقها، خلال العام المقبل، تحديات كبيرة فى ضوء الأزمات الحادة، المتعاقبة والمتداخلة، التى يواجهها الاقتصاد العالمى. وكان أبرز ما صدر عن القمة الأخيرة، التى استضافتها جزيرة بالى الإندونيسية، هو الدعوة لمواجهة تأثيرات الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد والغذاء والطاقة، إضافة إلى التحديات المناخية، والعمل على إصلاح هياكل المؤسسات والمنظمات الدولية الاقتصادية والمالية. كما حاول البيان الختامى أن يتجاوب مع الأولويات التى وضعتها الرئاسة الإندونيسية وأقر فيه قادة المجموعة، للمرة الأولى، بوجود «أزمة ديون متفاقمة» تواجهها دول متوسطة الدخل، وليس فقط الدول الفقيرة، ودعوا جميع الدائنين إلى الاستجابة سريعًا لطلبات معالجة الديون.
تمثل دول المجموعة ٨٠٪ من الناتج الإجمالى العالمى و٧٥٪ من حجم التجارة الدولية و٦٠٪ من سكان العالم، ما يجعلها من أهم أطر اتخاذ القرار الاقتصادى على المستوى الدولى. ولكونها تضم دولًا من الشمال والجنوب، على خلاف «مجموعة السبع» التى توصف بأنها نادى الدول الغنية، صارت اجتماعاتها من أكبر الفرص للتواصل وتبادل الآراء ووجهات النظر بشأن مشاكل العالم. وكانت مصر قد شاركت فى اجتماعات المجموعة سنة ٢٠١٦ خلال فترة الرئاسة الصينية، وسنة ٢٠١٩ خلال فترة الرئاسة اليابانية. كما شاركت أيضًا فى قمة «مجموعة العشرين وإفريقيا»، منذ تم إطلاق دورتها الأولى سنة ٢٠١٧، بمبادرة ألمانية، لتوفير ظروف أفضل للتجارة والاستثمار والشراكة المتساوية بين الجانبين.
فور خلاص الهند من المستعمر البريطانى، منتصف أغسطس ١٩٤٧، صارت ثانى أكبر الدول المستوردة للقطن المصرى، بعد فرنسا، وصارت مصر أكبر دول الشرق الأوسط استيرادًا للشاى الهندى، وتوطدت العلاقات بين البلدين بتوقيعهما معاهدة صداقة، سنة ١٩٥٥، ثم بمشاركة الزعيمين جمال عبدالناصر وجواهر لال نهرو، خلال السنة نفسها، فى مؤتمر باندونج، قبل أن يتشاركا، سنة ١٩٦١، فى تأسيس حركة عدم الانحياز، أو الطريق الثالث للدول التى قررت عدم الانضمام إلى الكتلتين، الشرقية والغربية، خلال الحرب الباردة.
وصلًا لما كان قد انقطع، أو كاد، ومع التحركات الكثيرة، التى قامت بها دولة ٣٠ يونيو، لاستعادة دور مصر المحورى، إقليميًا ودوليًا، وتوسيع وتنويع قاعدة صناعاتها الوطنية، زار الرئيس عبدالفتاح السيسى الهند فى ٢٩ أكتوبر ٢٠١٥، للمشاركة فى «منتدى الهند إفريقيا»، ثم زارها مرة ثانية فى أول سبتمبر ٢٠١٦، وأسهمت الزيارتان فى استعادة وتعزيز العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة، و... و... وأواخر يوليو الماضى، ناقشت الدورة الخامسة لـ«اللجنة التجارية المصرية الهندية المشتركة»، فى القاهرة، مختلف مجالات التعاون، قبل أن نحتفل، معًا، فى أكتوبر، باليوبيل الماسى لبداية العلاقات الدبلوماسية المصرية الهندية.
المهم هو أن الاجتماع الأول للممثلين الشخصيين لقادة دول مجموعة العشرين سيكون أوائل الشهر المقبل. ورسميًا، أبلغت الخارجية المصرية الجانب الهندى بأن مهام الممثل الشخصى للرئيس عبدالفتاح السيسى، لدى المجموعة، سيتولاها السفير راجى الإتربى، مساعد وزير الخارجية للشئون الاقتصادية متعددة الأطراف الدولية والإقليمية، الذى أكد اعتزامه على المشاركة، النشطة والمؤثرة، فى مختلف الاجتماعات، من أجل تعزيز العمل الدولى المشترك فى الموضوعات المدرجة على أجندة المجموعة، خاصة القضايا ذات الأولوية لمصر وإفريقيا والدول النامية، مثل الغذاء والطاقة والمناخ وتمويل التنمية وإصلاح النظام الاقتصادى العالمى.
.. وأخيرًا، كانوا يقولون إن أزمة ٢٠٠٨ المالية هى الأسوأ من نوعها، منذ أزمة ١٩٢٩ المعروفة باسم «الكساد الكبير»، غير أن الكوارث والأزمات الحادة، المتعاقبة والمتداخلة، التى يعيشها العالم، منذ نهاية ٢٠١٩، تفوقت على هذه وتلك، فى درجة السوء. ولأن الدورات الثلاث السابقة، التى استضافتها وترأستها السعودية وإيطاليا وإندونيسيا، على الترتيب، عجزت عن التعامل مع ما صاحبها من أزمات وكوارث، نتوقع أن تكون سنة الرئاسة الهندية هى الأصعب فى تاريخ المجموعة.