ماذا لو لم يتفهّم العالم رسالة السلام المصرية؟
اتساقًا مع عقيدة الدولة المصرية الداعية لإرساء السلام ووقف أى حروب من شأنها دمار البشر، جاءت رسالة السلام من مصر إلى العالم كله، عندما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، رسالة إلى زعماء العالم، خلال كلمة افتتاح رئاسة قمة المناخ بشرم الشيخ، بالتدخل لوقف الحرب الروسية- الأوكرانية "أتكلم عن أزمة كبيرة تضرب العالم، ولها تأثير على معظم الدول، إن لم يكن كل دول العالم.. وهنا أتحدث عن الأزمة الروسية- الأوكرانية.. أود أن أوجه نداءً إن سمحتم لي، بكم ومعكم، من أجل أن تتوقف هذه الحرب.. نحن كدول اقتصادها ليس قويًا، عانت كثيرًا من تبعات أزمة كورونا لمدة سنتين وتحملناها، والآن نعاني أيضًا من هذه الحرب.. أنادي باسمكم واسمي، إن سمحتم لي بذلك، من أجل أن تتوقف هذه الحرب وهذا الخراب وهذا الدمار وهذا القتل".
لم تكن دعوة الرئيس السيسي خروجًا عن النص، في مؤتمر يُعنى بالمناخ، وكيفية مواجهة مخاطره التي تحيط بالعالم قاطبة، بل إنها في قلب ما ينادي به المؤتمر، إذ أن الحرب الروسية- الأوكرانية تؤثر على المناخ والبيئة في العالم، ومن ثم، فخطاب الرئيس خلال القمة جاء متسقًا مع قضية المناخ، لأن روسيا دولة نووية، وأحد أعضاء مجلس الأمن، والطرف الثانى أوكرانيا، التي تحارب مدعومة من الغرب وأمريكا، وبالتالي فإن هناك خطورة كارثية لهذه الحرب على العالم، إذا خرجت مجرياتها عن السيطرة.. ثم أن دعوة الرئيس جاءت في توقيت مناسب للغاية، في ظل مشاركة دولية ضخمة، ضمت غالبية دول العالم، ومئات من المنظمات والمؤسسات، ومثلها من وسائل الإعلام من مختلف الدول.. وليس هناك مثل هذه الفرصة لإسماع العالم نداءً للسلام، يحفظ للكرة الأرضية أمنها واستقرارها، وهو ديدن مصر الدائم.. فهذه الدعوة تعكس حرص القيادة المصرية على حفظ السلام العالمي، وتعكس رغبة مصرية في تحقيق الأمن والاستقرار لكل شعوب العالم، التى عانت خلال السنوات الماضية من أزمات متتالية، بداية من جائحة كورونا، فالحرب الروسيةـ الأوكرانية، بالإضافة إلى تداعيات التغيرات المناخية.
مع دخول الحرب الروسية- الأوكرانية شهرها التاسع، لا تزال هناك نهاية واضحة لهذه الحرب في الأفق، بعد موت عشرات الآلاف من الجنود وإصابة غيرهم، وتحولت مدن بأكملها إلى أكوام من الأنقاض، وأصبح الملايين لاجئين.. وفي حين احتلت روسيا مساحات شاسعة من الأراضي في جنوب وشرق أوكرانيا، خاضت كييف معركة أقوى مما توقعه البعض، لم يكتف المدافعون الأوكرانيون بصد بعض الهجمات، بل استعادوا أيضًا أجزاء من البلاد، من خلال هجمات مضادة في الشرق والجنوب.. إلا أن روسيا لا تزال تتمتع بقدرات عسكرية مدمرة، يمكنها الاعتماد عليها.. وفي الأسابيع الأخيرة، شنت هجمات صاروخية وبطائرات بدون طيار، على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا.. وفي حين يبدو أن أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945، قد دخلت مرحلة الاستنزاف، إلا أن هناك عدة طرق للخروج من هذا الصراع.
إذا وصل القتال إلى طريق مسدود، فقد يكون هناك بعض وقف لإطلاق النار المؤقت التفاوضي بين روسيا وأوكرانيا، كما يرى لسيث جونز، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، "ربما لن تكون هذه النهاية، ومع ذلك، ستتراجع حالة الحرب النشطة على الأقل مؤقتًا، وتصبح شيئًا أقرب إلى صراع مجمد، يمكن أن يسخن أو يبرد اعتمادًا على مجموعة من العوامل".. وفي هذا السيناريو، يمكن لروسيا أن تأمل في أن تفقد الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى اهتمامها بالصراع ودعم أوكرانيا، ومن شأن ذلك أن يغير، في نهاية المطاف، ميزان القوى لصالح روسيا، ويسمح لها باستعادة الأراضي بالطريقة التي تريدها بشكل مثالي.
ومن الممكن أن تنتهي الحرب باتفاق سلام، بالرغم من صعوبة التوصل إلى تسوية، بسبب الأهداف المختلفة لروسيا وأوكرانيا، وما يعتبرانه أرضهما الشرعية.. وبالرغم من أنه ليس واضحًا ما الذي سيقبله بوتين باعتباره "نجاحًا"، إلا أنه قد يرضى باحتفاظ روسيا بأجزاء من دونيتسك ولوجانسك وزاباروجيا وخيرسون، والتي يمكنه بعد ذلك تأطيرها كأهداف مقصودة له، وهو عين ما ذهب إليه هنري كيسنجر، وزير الحارجية الأمريكي الأسبق، من قبل.. لكن السؤال الأكثر تعقيدًا هو: ما الذي ستكون أوكرانيا على استعداد للتخلي عنه في أي اتفاق سلام، إذ سيكون من "الانتحار السياسي" تقريبًا لأي زعيم في كييف التخلي عن أي أراضٍ أوكرانية.. فإذا أخذنا في الاعتبار أن روسيا، عندما بدأت عمليتها العسكرية في أوكرانيا، كان تستهدف الاستيلاء على البلاد بالكامل، فإنه من المهم ملاحظة أن أوكرانيا قد حققت بالفعل انتصارًا كبيرًا في منع روسيا من تحقيق هذا الهدف.
هذان هما الحلّان المتاحان للخروج من الأزمة الروسية- الأوكرانية.. لكن ماذا لو لم يستمع الطرفان المتحاربان لصوت العقل المصري، ووضع نداء الرئيس السيسي موضع التنفيذ، وقررا أن يستمرا فيما هما عليه؟.
ليست كل الحروب تنتهي بانتصار واضح لطرف واحد.. وهناك احتمال آخر، أن يستمر القتال مستعرًا دون أي وقف لإطلاق النار أو تسوية، والذي يمكن أن يستمر لسنوات، ويمكن أن يشمل ذلك قوات خاصة تقاتل ذهابًا وإيابًا على خطوط التماس، وحرب عصابات من أوكرانيا في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، وقصفًا بعيد المدى للأراضي الأوكرانية من روسيا أو بيلاروسيا.. ويبدو أن الصراع في مرحلته الحالية أصبح حرب استنزاف.. وبدلًا من الاستيلاء على المزيد من الأراضي، يبدو أن أهداف روسيا في المرحلة الحالية من الحرب تتلخص في إضعاف موارد أوكرانيا واقتصادها وجيشها.. ومن غير الواضح، أي جانب سيكون قادرًا على الصمود لفترة أطول، مع خسارة روسيا أيضًا في الجنود والأسلحة.. ووفقًا لمؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي"، يخطط الجنرال الروسي، المُعين حديثًا سيرجي سوروفيكين، لبناء خط دفاع متين في خيرسون، وتجميد الحرب بشكل فعال خلال فصل الشتاء، ولن تسعى روسيا لبدء أي هجوم جديد واسع النطاق على الأراضي الأوكرانية في الوقت الحالي، وستأخذ الوقت الكافي لبناء قدراتها القتالية مرة أخرى.
لقد أطلق بوتين تهديدات نووية مرارًا وتكرارًا منذ بداية الحرب، وأكد أنها (ليست خدعة)، وانقسمت الدول الغربية والخبراء حول مدى جدية التعامل مع هذه التهديدات.. وبالتأكيد هناك مخاطر جسيمة ينطوي عليها استخدام الأسلحة النووية، خاصة إذا كان بوتين يفجرها في الأراضي التي ضمها إلى روسيا، فإن ذلك يؤدي إلى حدوث تداعيات نووية على الأراضي الروسية بسبب القرب المكاني مع هذه الأراضي.. وإذا واجهت القوات الروسية هزيمة عسكرية واسعة النطاق، فقد يستخدم بوتين سلاحًا نوويًا في ساحة المعركة، لكن مخاطر استخدام الأسلحة النووية ستفوق أية فوائد، من غير الواضح ما إذا كان الناتو سيتدخل في هذا السيناريو، وقد قال مسئول كبير في وقت سابق، إن ضربة نووية روسية يمكن أن تؤدي إلى (رد فعل) من الناتو نفسه، إلا أن إعلان الناتو الحرب على روسيا، يمكن أن يخلق حربًا كبرى، يمكن أن تجذب دولًا أخرى مثل الصين، وهي نتيجة يرغب الناتو في تجنبها.. ولتجنب هذا السيناريو، من المرجح أن يتحول الناتو أولًا إلى زيادة العقوبات ودعم أوكرانيا بالأسلحة.. وتستمر العجلة في الدوران، باتجاه المجهول.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.