المسرح التفاعلى
هل سبق أن حضرت عرضًا مسرحيًا تفاعليًا؟ هل تعرف ما المقصود بالمسرح التفاعلى؟
المسرح التفاعلى هو لون من المسرح تكون أنت شريكًا أساسيًا فى بنيته الفنية وكأنك أحد المؤدين، فلست مجرد متلقٍ يفهم العرض المسرحى وفقًا لثقافته وشخصيته وخبرته الحياتية، بل أنت طرف أساسى وجزء من الحدث المسرحى داخل العرض.
وتكوين المتفرج المصرى يجعله دومًا أقرب إلى هذا النوع من التفاعل، فهو متفرج عاطفى قريب جدًا من العرض يكاد يكون متوحدًا معه، وكثيرًا ما يضع نفسه موضع أبطال العرض، وقد يصل هذا التوحد عند بعض المتفرجين أن يقيموا حدادًا على شخصية درامية ماتت فى مسلسل أحبوه.
نماذج للمسرح التفاعلى:
إن أثر هذا النوع من العروض لا ينسى، فما زلت أذكر حتى اليوم عرضًا شاهدته فى مهرجان برلين بألمانيا ٢٠١٤، ولم يكن قد تفاقم أثر البيئة الاتصالية الجديدة والعزلة إلى هذا الحد، كان يتناول العرض الإعلام والسوشيال ميديا وقدرتهما على بث/ قذف الصور المتعاقبة بسرعة فائقة، وأثر ذلك على حالات الوعى الحديثة، قدم العرض فى مبنى «مصنع مهجور» تم إعداده خصيصًا لهذ الشأن حيث يتوسط المكان منزل من طابقين، مبنى بطريقة دائرية ويحيطه «شيريوه» أو شريط دائرى تسير عليه بشكل منتظم ودائم كاميرا تلتقط فيديوهات وصورًا متلاحقة لما يحدث داخل المبنى، وتبث لقطات حية فى شاشات معلقة فوق المبنى، والجمهور يجلس فى جهتين، ما تستطيع أن تراه إذا جلست فى مواجهة المبنى لن يراه الجمهور الذى يجلس فى خلفية المبنى، فقط سترى اللقطات التى ستختار الكاميرا أن تقدمها لك عبر البث الحى وفقًا للزاوية التى ستختارها لتشكيل وعيك، وكل ربع ساعة يتوقف العرض ويسمح للجمهور أن يغير زاوية فرجته، وتذهب الجماهير بدافع الفضول للجهة المقابلة، لكن الصور المتلاحقة من الجهة الأخرى تظل تشعرهم بأن الحقائق ناقصة وأننا نشارك فى بناء وعى زائف. وهكذا وعبر بنية السينوغرافيا واستخدام آليات البث المباشر وتحديد موقع الجمهور من المشهد استطاع العرض أن ينتج معناه مستخدمًا أدوات البيئة الاتصالية الجديدة.
ومن فترة قصيرة أيضًا شاهدت لكم عرض «كل حاجة حلوة» الذى نجح عبر توظيف الجمهور فى أن يقدم عرضًا عن مرض الاكتئاب وأصحاب الميول الانتحارية ويرشد لطريقة التعامل معهم، إلا أن ذلك يتم بطريقة جمالية ودرامية ناعمة مستندة إلى التشاركية والتورط فى الحدث بحيث تخطى الجمهور دور المتفرج السلبى لا ليصبح ممثلًا يشارك فى العرض فقط، بل ليصير مجموعة دعم نفسى لمريض الاكتئاب والميول الانتحارية.
السؤال الآن:
لماذا يندر وجود هذا النوع من المسرح الذى يمكن توظيفه لتفعيل الجمهور والتأثير فيه وفى سلوكه؟ لماذا لا تبرمج الهيئة العامة لقصور الثقافة شُعبة فى مسرحها تعنى بالمسرح التنموى الذى يناقش قضايانا المحلية مثل قبول الآخر وحق الفتاة فى التعليم وأخطار الزواج المبكر وعمالة الأطفال، فهذا النوع من المسرح تحديدًا يمكن إدراجه كوسيلة للتوعية وتعديل السلوك والتحفيز على التفكير والإبداع الجماعى؟.