الإمام والبابا.. ملتقى البحرين
إلى مملكة البحرين، ذهب فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، حاملين معهما رسالة من أجل المحبة والسلام، وشاركا فى «ملتقى البحرين لحوار الشرق والغرب من أجل التعايش الإنسانى»، الذى عقده «مركز الملك حمد العالمى للتعايش السلمى»، بالتعاون مع «مجلس حكماء المسلمين»، وبرعاية وحضور العاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
فى الجلسة الختامية للملتقى، دعا قداسة البابا دول العالم إلى تحول الإنفاق العسكرى الضخم إلى استثمارات لمحاربة الجوع ونقص الرعاية الصحية والتعليم. وتحدث الدكتور أحمد الطيب عن ضحايا حروب «اقتصاد السوق»، منتقدًا احتكار الثروات وتجارة الأسلحة الثقيلة والفتاكة وتصديرها لدول العالم الثالث وما يستلزمه ترويجها من تصدير للنزاع الطائفى والمذهبى وتشجيع الفتن وزعزعة الاستقرار.
بعد لقائه الرئيس عبدالفتاح السيسى، سنة ٢٠١٤، فى بيته وليس فى القصر البابوى، وزيارة شيخ الأزهر له، سنة ٢٠١٦، ثم زيارته مصر فى ٢٠١٧، تعدّدت زيارات البابا لدول المنطقة، وتكررت لقاءاته ومكالماته التليفونية مع الإمام الأكبر، الذى عرفنا منه أنهما «حين اجتمعا، ومنذ اللقاء الأول، شعر كل منهما بأنه يعرف صاحبه منذ سنين عدة، ثم ما لبثت القلوب أن التقت على المودة المتبادلة وعلى الصداقة والإخلاص».
بـ«السلام عليكم» بدأ عظته، فى القداس الذى ترأسه فى استاد الدفاع الجوى، استاد ٣٠ يونيو.. وبـ«السلام عليكم» بدأ خطابه فى الأزهر الشريف.. وبـ«تحيا مصر» أنهى كلمته خلال لقائه الرئيس السيسى، وسمعناه يقول بالعربية «مصر أم الدنيا» و«الدين لله والوطن للجميع».. وبـ«السلام عليكم» بدأ كلمته التى وجهها لـ«الشعب المصرى الحبيب» فى مقطع فيديو سبق زيارته إلى مصر، وعبّر فيه عن فرحته بزيارة «أم الدنيا، مهد الحضارة، وهبة النيل، وأرض الشمس والضيافة، حيث عاش الآباء البطاركة والأنبياء، وحيث الله، الرءوف والرحيم، القدير والواحد». وأكد أنه جاء «صديقًا، ورسولًا للسلام، وحاجًّا إلى الأرض التى زارتها العائلة المقدسة قبل ألفى عام، والتى قدمت الكثير والكثير لهم، والتى كانت ملجأ وضيافة لهم».
فور جلوسه على كرسى البابوية، قال قداسة البابا لسفراء ١٨٠ دولة، اجتمع بهم، إنه سيهتم «بشكل خاص، بالحوار مع المسلمين»، ولدى استذكاره غسل السيد المسيح أرجل تلاميذه، كان اثنان من المسلمين بين الاثنى عشر رجلًا الذين غسل أرجلهم. ثم كان أول حبر أعظم يزور دولة الإمارات، وهناك شارك الإمام الأكبر، فى ٢٠١٩، التوقيع على وثيقة «الأخوة الإنسانية»، التى قال شيخ الأزهر، خلال كلمته بالجلسة الختامية لـ«ملتقى البحرين»، إنها قدمت نموذجًا متميزًا لما ينبغى أن يكون عليه حوار الأديان والحضارات من احترام متبادل وتأثير فعلى فى علاقاتِ الشُّعُوبِ المبنية على التعارُفِ والتعاون والأُخوَّة والسَّلام.
بالمثل، أكد قداسة بابا الفاتيكان، فى الجلسة نفسها، أن وثيقة الأخوة الإنسانية تضع أسس الحوار والتقارب من أجل مصلحة البشرية. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن الإمام والبابا شاركا، أيضًا، فى «المؤتمر السابع لزعماء الأديان»، الذى استضافته كازاخستان، منتصف سبتمبر الماضى. وهناك، قال شيخ الأزهر إن «البشرية أصبحت تعانى من رعب وخوف بسبب التغير الفجائى فى ظواهر الطبيعة والمناخ». كما قال قداسة البابا إن «أديان العالم، التى تجرى حوارًا منذ عقود، لا تزال تعانى من ويلات الحرب»، وأكد ضرورة حل النزاعات بالوسائل الوحيدة التى تباركها السماء ويستحقها البشر: الحوار والمفاوضات الصبورة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن نقاشات ملتقى البحرين ركزت حول ترسيخ السلام والعيش المشترك، والحوار بين الأديان، و... و.... و«دور علماء الأديان فى معالجة تحديات العصر مثل أزمة الغذاء العالمى والتغير المناخى». وعليه، ننتظر، أو نتمنى، أن يتوجّه فضيلة الإمام الأكبر وقداسة بابا الفاتيكان، وكل المشاركين فى الملتقى، فور مغادرتهم المملكة الشقيقة، إلى مدينة شرم الشيخ، ليواصلوا، أو يكملوا، نقاشاتهم وحواراتهم، بشأن معالجة تحديات العصر، والتغير المناخى تحديدًا، فى الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ، كوب ٢٧، التى تبدأ فعالياتها غدًا الأحد.