إغراق إيلات
فى مثل هذا اليوم، منذ ٥٥ سنة، تصدرت الصفحة الأولى لجريدة «الأهرام» العناوين التالية: ضرب مدمرة إسرائيلية بقوارب الصواريخ وإغراقها أمام بورسعيد.. المدمرة الإسرائيلية حاولت دخول المياه الإقليمية فتصدت لها قوارب الصواريخ المصرية وضربتها وأغرقتها.. المعركة البحرية دارت فى الخامسة والنصف مساءً وانتهت بانتصار حاسم للبحرية المصرية.. المدمرة كان عليها ما بين ٢٥٠ إلى ٣٠٠ ضابط وجندى بحار.. إسرائيل تعلن فى بيان رسمى نبأ ضرب المدمرة وتطلب معونة الأمم المتحدة فى إنقاذ جنودها.
صباح ٢١ أكتوبر ١٩٦٧، تحركت المدمرة «إيلات»، أكبر قطع الأسطول الإسرائيلى، شمال شرقى بورسعيد، واقتربت من الساحل، حتى فصل بينها وبين المياه الإقليمية ميل واحد، ثم عادت وابتعدت حتى ١٨ ميلًا. وفى الساعة الحادية عشرة، واصلت تقدمها واخترقت المياه الإقليمية، ثم استدارت وتراجعت، لكنها عادت فى الرابعة والنصف، لتسير فى خط متعرج نحو المياه الإقليمية، التى دخلتها فى الساعة الخامسة، فتم الاشتباك معها، فى الخامسة و٢٨ دقيقة، وإغراقها بأربعة صواريخ، أطلقها أربعة ضباط، أكبرهم عمره ٢٩ سنة: النقيب أحمد شاكر الطارح، الملازم أول حسن حسنى محمد أمين، النقيب مصطفى جاد الله، الملازم أول ممدوح منيع. والأبطال الأربعة، أشادت كل الدوائر العسكرية بشجاعتهم النادرة، وبراعتهم فى إصابة الهدف.
المدمرة الحربية، كان اسمها «زيلوس»، Zealous، حين اشترتها إسرائيل من بريطانيا فى يونيو ١٩٥٦، وتم تسجيل معركة إغراقها أو تدميرها، ضمن أشهر المعارك فى تاريخ الحروب البحرية، لكونها العملية الأولى من نوعها، وباعتبارها بداية لمرحلة جديدة فى تطوير الأسلحة البحرية واستراتيجيات القتال البحرى فى العالم. وعليه، وقع الاختيار على ذلك اليوم، ٢١ أكتوبر، ليكون عيدًا سنويًا لقواتنا البحرية، التى يتولى رجالها، وعيون لا تنام، حماية حدودنا البحرية، الممتدة لأكثر من ألفى كيلومتر على البحرين الأبيض والأحمر، وتأمين ٢١ ميناءً و٩٨ هدفًا بحريًا، إضافة إلى المجرى الملاحى لقناة السويس.
البيان الصادر عن القيادة العليا لقواتنا المسلحة قال إن «قطعة من قطع أسطول العدو» اقتربت من شواطئنا بشمال بورسعيد، الساعة الخامسة مساء ودخلت مياهنا الإقليمية فى الساعة الخامسة والنصف، فتصدت لها بعض وحداتنا البحرية، واشتبكت معها وأغرقتها، و«عادت وحداتنا جميعًا إلى قواعدها سالمة». ونقلت وكالة «أسوشيتدس برس» عن «متحدث عسكرى إسرائيلى» أن القوات المصرية ضربت مدمرة إسرائيلية وأصابتها «بينما كانت تقوم بدورية على شاطئ سيناء»، وأنه «تجرى الآن» عملية إنقاذ ضخمة عن طريق الجو والبحر، لنقل الجرحى إلى المستشفيات العسكرية فى أسدود وبير سبع.
كانت سينما ديانا تعرض فيلم «الزوجة الثانية»، لسعاد حسنى وشكرى سرحان وصلاح منصور.. وسينما ميامى تعرض فيلم «المليونيرة»، لصباح ودريد لحام ونهاد قلعى.. وشركة النصر للكيماويات الدوائية تعلن عن حاجتها إلى ٣٠٠ دمجانة «برميل» بلاستيك بحالة جيدة، سعة من ٢٥ إلى ٥٠ كيلوجرامًا، لتعبئة كيماويات سائلة للتصدير.. ومحلات «صيدناوى وشملا» تقدم «أحدث مجموعة لفصل الشتاء من الفساتين والتايورات والبلاطى».. ورئيس وزراء الصومال يقضى يومين بالقاهرة.. و... و... وعند منتصف الليل، أذاع المتحدث العسكرى باسم القيادة العليا لقواتنا المسلحة هذا البيان: «فى السابعة والنصف مساء، ظهر هدف بحرى آخر من قوات العدو داخل مياهنا الإقليمية شمال شرقى بورسعيد، فاشتبكت معه وحدتنا البحرية وأصابته إصابة بالغة، وشوهدت عدة انفجارات فى المنطقة، وظهر على شاشة الرادار أن هذه القطعة البحرية تغرق».
.. وتبقى الإشارة إلى أن مجموعات من ضفادعنا البشرية، بالتعاون مع المخابرات العامة، قامت، بعد سنتين تقريبًا من تلك العملية، تحديدًا بين ١٦ نوفمبر ١٩٦٩ و١٥ مايو ١٩٧٠، بتنفيذ ثلاث عمليات هجوم على ميناء إيلات الإسرائيلى، انتهت بتفجير الرصيف الحربى للميناء، وتدمير وإغراق أربع سفن: «هيدروما وداليا» التجاريتين، «بيت شيفع وبات يام» الحربيتين. وتلك هى العمليات التى عرضها، باختصار وتبسيط، فيلم «الطريق إلى إيلات»، الذى كتبه فايز غالى وأخرجته إنعام محمد على، أما المعركة التاريخية، فتناولها فيلم بائس اسمه «يوم الكرامة» كتبه جمال الدين حسين وأخرجه على عبدالخالق.