.. وما زال كورونا يتحوَّر
متحوِّر جديد لفيروس «كورونا»، أطلقوا عليه اسم «XBB»، ظهر فى شرق العالم وغربه، وتسبب على مدار الأسبوعين الماضيين، فى ارتفاع إصابات «كورونا» فى كلا البلدين. وأشارت التقديرات إلى ارتفاع عدد المصابين فى سنغافورة، مثلًا، خلال اليوم الواحد، من ٤٧٠٠ إلى ١١ ألفًا و٧٠٠ حالة، ما دفع أونج يى كونج، وزير الصحة السنغافورى، إلى المطالبة بإعادة فرض بعض التدابير أو القيود.
يرجّح الخبراء ظهور المتحور الجديد، للمرة الأولى، فى أغسطس الماضى، ويصفونه بأنه «أسوأ» النسخ الجينية من الفيروس، موضحين أنه يتجنب الأجسام المضادة من العلاجات أحادية النسيلة، ويجعل الأدوية غير فعالة فى إبطاء نموه داخل خلايا الجسم، كحال النسخ الأخرى. غير أن هذا الكلام قيل أيضًا عن متحور آخر، أثار ظهوره مخاوف العالم، بعد انتشاره بسرعة فى الولايات المتحدة وبريطانيا الشهر الماضى. كما سبق أن حذرت وكالة الدواء التابعة للاتحاد الأوروبى من متحورات جديدة قد تظهر الشتاء القادم.
المتحور الجديد، الذى ظهر فى ١٧ دولة، من بينها الولايات المتحدة وأستراليا والدنمارك واليابان وبنجلاديش، يحتوى على ٧ طفرات، على الأقل، ما يزيد من صعوبة الأجهزة المناعية فى التعرف عليه، واحتمالية تفادى الأجسام المضادة، ودخول الخلايا لإحداث العدوى. وللـ«ديلى بيست»، قال أميش أدالجا، خبير الصحة العامة فى مركز «جونز هوبكنز» للأمن الصحى، إن المتحور الجديد قد يكون «الأكثر مراوغة» للمناعة، ما قد يشكل مشكلات للعلاجات الحالية القائمة على الأجسام المضادة. كما كشفت دراسة حديثة، نشرتها جامعة أكسفورد البريطانية، عن احتمال مواجهة المصابين مخاطر أكبر للإصابة بالخرف وضباب الدماغ.
الفيروسات بطبيعتها تقوم بمئات، أو آلاف التحورات، قليل منها فقط هو الذى يغير درجة خطورتها، أو ضراوتها، أو يزيد قابليتها للانتقال من شخص لآخر. ومنذ ظهور نسخته الأصلية، أواخر ٢٠١٩، إلى صباح أمس الأول الأحد، أودى «كورونا المستجد»، ومتحوراته، بأرواح ستة ملايين و٥٦٧ ألفًا، وأظهرت بيانات موقع جامعة جونز هوبكنز الأمريكية أن إجمالى عدد الإصابات المؤكدة يقترب من ٦٢٥ مليون إصابة. ولا يزال حوالى ٤٠٠ ألف شخص يصابون بالعدوى، يوميًا، فى جميع أنحاء العالم. وعليه، يكون من المبكر القطع بأن نهاية الوباء باتت وشيكة، والأرجح هو أن يستمر على شكل موجات، تفقد قوتها بمرور الوقت.
على سبيل المثال، أعلنت وزارة الصحة الهندية، أمس الإثنين، عن تسجيل ٢٠٦٠ إصابة جديدة، خلال الساعات الأربع والعشرين السابقة. ونقلت جريدة «تايمز أوف أنديا» عن الوزارة أن هناك ١٠ حالات وفاة بالفيروس. وفى بريطانيا، زادت أعداد المصابين، للأسبوع الرابع على التوالى، وذكرت شبكة «سكاى نيوز»، أن العدد ارتفع فى الأسبوع الماضى، إلى ١.٧ مليون حالة، بزيادة ٤٠٠ ألف تقريبًا عن الأسبوع الذى سبقه.
فى فرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا، أيضًا، تم رصد ارتفاع واضح فى عدد الحالات. ويتوقع بيان مشترك أصدرته منظمة الصحة العالمية والمركز الأوروبى لمكافحة الأمراض والوقاية منها، أن تنتشر موجة أخرى من الإصابات فى أوروبا، بعد أن عاودت الحالات الارتفاع فى أنحاء المنطقة. كما أن أنتونى فاوتشى، مدير المعهد الوطنى الأمريكى للأمراض المعدية، حذر من ظهور متحور جديد خلال الشتاء المقبل. وقال خلال ندوة عقدها مركز «يو إس سى أنينبيرج» إن علينا ألا نتفاجأ من ظهور متحور جديد أخطر من سابقيه، مشددًا على ضرورة عدم التخلى عن الحذر، لأن هناك دائمًا خطرًا من زيادة مخاطر انتشار العدوى فى أشهر الشتاء.
.. أخيرًا، ومع التوصيات المتكررة، التى تصدرها المنظمات الدولية والهيئات العلمية والأكاديمية، المتابعة للوباء والمعنية بمكافحته، نرى أن صيغة التعامل الأمثل مع متحورات كورونا، هى الاستجابة لدعوة أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، الذى طالب فيها الحكومات فى جميع أنحاء العالم بإعطاء الأولوية للرعاية الصحية، مع ضرورة وجود «التزام سياسى مستدام» بأن تقوم الدول الأكثر ثراء، والمؤسسات المالية الدولية، بدعم الدول النامية، حتى تتمكن من الاستعداد بشكل أفضل لمواجهة الصدمات المستقبلية.