روشتة مسرحيى أسيوط لعودة الروح لـ«أبوالفنون»
فى بقعة ما بعيدة نسبيًا عن الضوء كمثيلاتها فى أقاليم مصر يسعى فنانو المسرح بأسيوط لتقديم عروض مسرحية تجد صداها لدى الجمهور، الجمهور الذى لا يعرف إلا الناتج النهائى: عرض مسرحى ينال إعجابه أو سخطه، لكنه لا يدرى أن المراحل السابقة على العرض ممتلئة بتحديات لا يدركها إلا صانعو العروض أنفسهم، تحديات متعلقة بالإنتاج، مركزية الإدارة، أماكن العرض، محتوى العروض، إمكانيات التطوير والابتكار، الإعلام والتسويق، لذا فقد بدأنا بمساءلة هذا الواقع ببورسعيد ونستأنف تلك المساءلة بتقصى وضع المسرح بمحافظة أسيوط.
حيث تبين لنا أن الواقع المسرحى فى أسيوط واقع فيه ثراء وتنوع فيما بين فرق قصور الثقافة حيث يتبعها ١٢ مركزًا، بالإضافة لفرقة القصر وشرائح النوادى، وينتج كل مركز عرضًا واحدًا فى العام.
.. يثرى المشهد المسرحى هناك أيضًا المسرح الجامعى، حيث تتبارى ١٦ كلية بـ١٦ عرضًا فى مسابقته السنوية.. أضف إلى ذلك المسرح الكنسى الذى رغم تراجع دوره بأسيوط مؤخرًا إلا أن له إسهامًا فى تقديم عدد من العروض واكتشاف عدد من الفنانين وكذلك المجتمع المدنى والفرق الحرة.. حيث تقوم جمعية أحمد بهاء الدين بدور حيوى فى دعم المسرح ورفع قدرات شباب المسرحيين.. إلا أن تلك الحركة متعددة الروافد لا يتوافر لها سوى ثلاثة مسارح فى محافظة بها ١٢ مركزًا، وليست كلها مجهزة على النحو المناسب لاستقبال عروض مسرحية.
وقد التقت «الدستور» فنانى المسرح بأسيوط لنتعرف عبر محاورتهم على التحديات التى تواجههم وتصوراتهم لتجاوزها.
درويش الأسيوطى، الكاتب المسرحى والشاعر والباحث فى التراث، اعتبر أن عدم الاحترافية يعد أبرز المعوقات والصعوبات التى تواجه المسرحيين فى أسيوط، وذلك بشكل عام وإجمالى.
وأضاف: «ليست لدينا فرق حقيقية متواصلة الأجيال فى التربية والتعليم أو الشباب أو قصور الثقافة، لدينا فرق تشبه (شدة جمع القطن)، تجتمع الفرقة فى المواسم لتقدم العرض ثم تنفض، وبعدها يُعاد تشكيلها ربما من عناصر جديدة فى مواسم أخرى».
وواصل: «لا توجد مكاتب فنية تخطط لتلك الفرق فتضع سياستها، وتختار لها نصوصها ومخرجيها، وعادة لا تقدم كل فرقة إلا عرضًا واحدًا فى العام، عائده لا يشجع إلا من لا عمل له على الانتساب للفرقة».
وأبدى استغرابه من أن بعض العروض المسرحية لا يُقدم إلى لجان التقييم، والبعض الآخر يعد بروفاته لليلة العرض الذى ستحضره اللجنة بغير حضور الجمهور، إلا أسر المشاركين فى العرض وربما من مر بالصدفة، فلا دعاية ولا إعلان، فضلًا عن أزمة الجمهور الذى أفسد التليفزيون ذوقه، فعدّ الكثيرون منهم «التهريج» هو المسرح.
واختتم حديثه معربًا عن أمنياته فى أن تؤسَس فى أسيوط فرقة محترفة لها مصادرها المالية خارج إطار المؤسسات الحكومية لتقدم المسرح الحقيقى.
رأى خالد أبوضيف، المخرج المسرحى، أن من أبرز المعوقات التى تواجه المسرحيين فى أسيوط قلة دور العرض المجهزة، ما يؤثر على إنتاج العروض المسرحية، وندرة فرص الإنتاج أو محدوديتها بالنسبة للعديد من الفرق الحرة.
وشرح: «انحصر الإنتاج المسرحى فى جهات حكومية، مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة، وعدد المسارح لا يستوعب عدد الفرق الموجودة فى المحافظة، فلا توجد إلا ٣ مسارح فى محافظة بها ١٢ مركزًا ومدينة، كما أنه لا يوجد فى الجامعة سوى مسرح واحد ينفذ عليه مهرجان ومسابقة المسرح الجامعى لـ١٦ كلية تتبارى سنويًا.. أما عن مؤسسات المجتمع المدنى، فإن أغلب عروضها توعوية وتشاهدها فئة معينة يتوجه العرض لها».
ووصف «أبوضيف» جمهور أسيوط بأنه ذواق ومحب للمسرح، يتفاعل بصورة كبيرة مع العرض المسرحى، يشاهد ويحب كل أنواع العروض سواء كوميدية أو تراجيدية، فصحى أو عامية، مضيفًا: «أتمنى أن تتوافر الفضاءات المسرحية الملائمة بوزارتى الشباب والتربية والتعليم».
قال المخرج والممثل محمد يسرى إن أبرز الصعوبات التى تواجه المسرحيين فى أسيوط هو عدم توافر مسارح أو منافذ لتقديم العروض المسرحية، بعيدًا عن مسارح الثقافة الجماهيرية وبعض المهرجانات، التى تضع شروطًا وقيودًا لتقديم العروض فيها، وأضاف: «لدينا الكثير من الطموحات والأمنيات لتطوير مسرح أسيوط؛ لكنها لن تنفذ أبدًا على أرض الواقع.
اعتبر المخرج والممثل ومصمم الديكور هانى محمد أحمد، عضو فرقة أسيوط القومية ومسئول المسرح المركزى بمديرية التربية والتعليم بأسيوط، أن الروتين والتعقيدات الإدارية هما أهم المعوقات التى تواجه المسرحيين بالمحافظة.
وأضاف: «من أهم المعوقات أيضًا أن جهات الإنتاج تنحصر فى بعض الجهات الحكومية، مثل وزارات الثقافة والشباب والرياضة والتربية والتعليم، بالإضافة إلى بعض الفرق الحرة، مثل فرقته الخاصة (يلا بينا)، و(تفانين)، التى أسسها أحمد ثابت الشريف، و(شموع) للمبدع والأديب نعيم الأسيوطى، وكذلك فرق المسرح الكنسى».
ودعا إلى جمع أبرز عناصر الفرق المسرحية، وتأسيس فرقة مركزية من قبل وزارة الثقافة، والسماح لها بتقديم عروض ضخمة، مع إتاحة المسارح التابعة للدولة للفرق المستقلة بنظام الإنتاج المشترك، وتقاسم عوائد التذاكر المقدمة.
أكد محمد جمعة، المخرج المسرحى ومدير عام إدارة الفنون بجامعة أسيوط، ضرورة العودة للاهتمام بالمسرح المدرسى، الذى يمثل الأساس لعودة المسرح المصرى لمساره الصحيح، مع الاهتمام بالمسرح الجامعى وتقديم الدعم اللازم له.
وقال: «المسئولون عن التعليم غير مهتمين بالمسرح المدرسى، ولا يوجد لدينا متخصصون فى هذا المجال، علاوة على تراجع دور المسرح الكنسى فى الاهتمام بالقضايا المجتمعية، مع عدم الاهتمام بالتأليف المسرحى بشكل عام، وإقامة مسابقات لا تتفق مع أهميته ومكانته، بالتزامن مع تراجع ثقافة التلقى الحى بسبب ما تقدمه الفضائيات».
كما أكد أهمية دور الهيئة العامة لقصور الثقافة فى رعاية واحتضان الفرق المسرحية المستقلة، وإتاحة المناخ والإمكانيات المناسبة لها لتقديم إبداعاتها، ما يؤدى للتطور بشكل عام.
قال الناقد والمخرج صلاح فرغلى إن تسويق الأعمال المسرحية للوصول إلى قطاعات أكبر من الجمهور هو من أهم التحديات التى تواجه المشاركين فى العمل المسرحى، خاصة أن ضعف الإقبال يقلل من العوائد المادية التى تضمن استمرار الفرق المسرحية.
وأشار إلى أهمية توجيه دعوات حضور المسرح لطلاب المدارس والجامعات، وفقًا لطبيعة العروض نفسها وبالتنسيق مع الوزارات المعنية، مع دعوة المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة أيضًا.
وتابع: «المسرح لا يجب أن يبتعد عن الواقع، والعروض المقدمة من المفترض أن تلعب دورًا أكبر فى التعبير عن المجتمع وقضاياه وحياة الناس ومشكلاتهم، لكن بعض العروض يعانى من الاغتراب والبعد عن الواقع، وهو ما يصنع صعوبة فى التواصل مع بعض المتفرجين». واستطرد: «من بين المحاولات الجادة لصناعة حراك مسرحى تأتى محاولة مركز أحمد بهاء الدين، فى قرية الدوير، ومهرجانه المسرحى المستقل، الذى يشارك فى هذا الحراك عبر العروض التى يتم دعمها وتقدم خصيصًا بالمهرجان، كما أن هناك عروض نوادى المسرح، التى تفرز كثيرًا من المخرجين والممثلين، وتساعد فى صناعة العروض الكبرى».