لماذا نصنع مهرجانًا؟
يشغل هذا السؤال، حاليًا، ذهن عدد كبير من المسرحيين والمشتغلين بالمجال الفنى، حيث يتوالى ويتقاطع خلال تلك الفترة العديد من المهرجانات المسرحية الدولية، حتى إنه تصعب متابعتها أو التوفيق بين جداول فعالياتها، كما أننا كثيرًا ما نفاجأ بمهرجانات لا تمتلك رؤية واضحة أو أنها مفتقدة بوصلتها وشروط العدالة الثقافية ومراعاة معايير أساسية مثل الجودة الفنية ومستوى ما يقدم، ومراعاة التنوع الثقافى والجغرافى والجندرى ومبدأ تكافؤ الفرص، وعدم تضارب المصالح، وهى معايير أساسية أولى بها العمل الثقافى من أى عمل آخر، وربما يكون الصادم أن يكون بعض تلك المهرجانات مهرجانات حكومية.
ولكى تكتمل الصورة فإن علينا أن نعرف أن وزارة الثقافة استبدلت، عبر تلك المهرجانات، دورها كداعم لمشاريع فنانى المسرح غير العاملين بالقطاع الحكومى «مسرح الهواة والمسرح المستقل» بأن وجهت كل أشكال الدعم، التى كانت توجه لهم، إلى تلك المهرجانات، رغم أن دعم المهرجانات لا يجب أن يغنى أبدًا عن هذا الدور الحيوى فى دعم المسرح غير الحكومى.
وبناء على ما سبق يبرز هذا التساؤل من حين لآخر على السطح: لماذا نصنع مهرجانًا؟، يعمل أى مهرجان دولى، سواء كان مسرحيًا أو سينمائيًا أو فى أى قطاع من قطاعات الثقافة، على ثلاثة محاور أساسية: تنمية وتطوير الفن والفنانين المشتغلين بالمجال- الترويج للمنتج الإبداعى المحلى- الترويج السياحى للمعالم السياحية فى المحيط المحلى «حيث المهرجانات الثقافية هى إحدى أهم آليات الترويج السياحى حول العالم»، ومن هنا يحرص العديد من المهرجانات الدولية على تضمين برنامجها جولة سياحية أو زيارات لأهم المعالم السياحية/الثقافية، لضيوف المهرجان.. وانطلاقًا من هذا الدور فإن أكثر وزارتين منوط بهما مهمة تقديم الدعم لتلك المهرجانات هما وزارتا الثقافة والسياحة فضلًا عن المحليات، وعليه فلا بد أن تقام تلك المهرجانات فى إطار رؤية استراتيجية شاملة للترويج الثقافى والسياحى والتنمية الرأسية فى المجال الفنى والأفقية فى تنمية المجتمعات.
هذا الإطار الاستراتيجى، والتزام كل المهرجانات المقامة به وتنفيذه على نحو تكاملى فيما بينها دونما تعارض زمنى أو تقاطعات جغرافية، هو مسئولية اللجنة العليا للمهرجانات، لذا وجبت مساءلتها عن لماذا يقام فى ذات الوقت وفى ذات المحيط الجغرافى ٣ أو ٤ مهرجانات دولية؟، ولماذا لا يتم التنسيق بين تلك المهرجانات؟، وفى هذا الإطار يجب أن نشير للمبادرة التى قام بها المهرجان التجريبى لإنشاء شبكة للمهرجانات العربية بغرض التنسيق والتشبيك، ونتمنى أن تتم عملها فى هذا الشأن على نحو يعود بالنفع على الحركة المسرحية فى مصر والوطن العربى، ونتطلع إلى أن نقوم نحن أيضًا بهذا الدور محليًا عبر اللجنة العليا للمهرجانات.
نتساءل أيضًا: لماذا لا توجد لدينا خريطة واضحة ومعلنة للمهرجانات الدولية المقامة فى مصر تصدر سنويًا ويتم نشرها والترويج لها وإتاحتها مع برامج الطيران والسفر وعلى المواقع الإلكترونية؟ من زمن بعيد أطلقت وزارة الثقافة مهرجان المسرح التجريبى وفقًا لرؤية استراتيجية متصلة بتطوير الفن المسرحى وإطلاع الشباب على إحداثياته فى العالم.. لماذا لم تطلق وزارة الثقافة مهرجانًا عربيًا أو إفريقيًا فى إطار رؤيتها الاستراتيجية الجديدة وانطلاقًا من مسئولية مصر كرائدة ثقافية فى المنطقة العربية والإفريقية؟ لماذا لا نطلق أحداثًا ترويجية: ثقافية/ سياحية ضخمة مشتركة مع الدول ذات الحضارات العريقة المماثلة لحضاراتنا، التى تجمعنا بها مشتركات ثقافية ومصالح اقتصادية استراتيجية مثل الصين؟ ماذا لو أنه فى ذات الوقت نعاين بثًا مباشرًا لفرقة رضا للفنون الشعبية ترقص عند سور الصين، وفى ذات الوقت تقدم إحدى الفرق الصينية التراثية عرضها فى الصوت والضوء وفى خلفيتها الأهرام، أهم مبنى معيارى يتطلع العالم كله لفض أسراره؟
إن مصر إحدى أهم الدول على مستوى العالم التى تملك مقومات حضارية وموارد ثقافية غير محدودة لكنها بحاجة إلى قدر كبير من الرؤية والتخطيط وتحديث منظور مبتكر للمنتج الثقافى والإبداعى حتى تستكمل دورها وريادتها الثقافية فى المنطقة وفى العالم، فهل تقوم اللجنة العليا للمهرجانات، التى تضم فى عضويتها كل الأطراف الشريكة والمعنية بالعمل الثقافى، بوضع وإعلان سياسات ثقافية تتوافق مع رؤية الدولة الاستراتيجية وتعزز صورة مصر كرائدة ثقافية؟