فى ذكرى ميلاد غاندى
يوم ٢ أكتوبر هو ذكرى مولد غاندي وهو «يوم اللاعنف» في العالم، لأن غاندي كان له موقف واضح من قضية العنف وهو ناضل في بلاده نضالًا سلميًا لا عنفيًا، فمن حيث المبدأ يرفض غاندي الجبن والخنوع ويعتبر أن اللاعنف هو أفضل وأسمى بما لا يُقاس من العنف، فهو يتطلب شجاعة كبيرة واحترامًا للخصم، فقبل أن يباشر غاندي حملته في العصيان المدني بالهند، كتب إنذارًا لنائب الملك البريطاني قال له فيه: "إذا لم تعترفوا باستقلال الهند سنبدأ بالمقاومة" وقد بدأ إنذاره هذا بعبارة "صديقي العزيز"؛ وقد أغضبت هذه العبارة أصدقاءه، لكنهم أدركوا أن غاندي كان يحترم شخصية الإنجليز، لكنه لم يكن يحترم استعمارهم لبلاده وإذلالهم للشعب الهندي، وهكذا سار غاندي مشيًا على الأقدام مئات الكيلومترات، مستنفرًا الفلاحين للعصيان المدني، فيما عُرِفَ بـ"مسيرة الملح"؛ وهو ما أدى لاحقًا إلى اعتقال غاندي، واعتُقِلَ معه الآلاف من أبناء الشعب الهندي، حتى فاضت السجون، ثم أُطلِقَ سراحُهم جميعًا، وعن مدى نجاحه في النضال اللاعنفي يقول غاندي مارست اللاعنف وإمكاناته بدقَّة علمية ما يزيد على خمسين عامًا من حياتي، لقد طبقته في كل مجالات الحياة، عائليًا ومؤسساتيًا واقتصاديًا وسياسيًا، ولا أتذكر حالة فشل واحدة فيها، وحين بدا لي في بعض الحالات وكأنه فشل؛ فإن السبب في ذلك كانت نواقصي، لستُ أدَّعي الكمال لنفسي، لكني أؤكد أني أبحث بشغف عن الحقيقة التي هي الاسم الآخر للألوهة، وخلال بحثي هذا اكتشفت اللاعنف الذي أصبح نشره بالنسبة لي رسالتي في هذه الحياة، ولا مصلحة لي أن أستمر في هذه الحياة إن لم يكن من أجل هذه الرسالة، ورفض غاندي بأيِّ شكل تبرير العنف أو شرعنته، فالإنسان العنيف يسيطر ليبرِّر العنف، فيبني لذلك عقائد لـ"العنف المشروع" في نظره، كالدفاع عن النفس وفكرة الآخر المعتدي، وهنا يمكن الحديث عن معنى كلمة "لا" في اللاعنف، على اعتبار أنها ترفض أيَّ تبرير للعنف، وتنزع أية شرعية عنه، وتقطع الطريق على أية صلة بالعنف الذي هو جريمة ضد الإنسانية، كما أن العنف ليس حقًّا من حقوق الإنسان حتى وإن بدا العنف ضروريًّا فهو ليس مشروعًا، واعتبر غاندي أن اللاعنف هو شَريعةُ الجِنس البشري، بينما العنف فهو شريعة البهائم وكرامة الإنسان تَتطلَّبُ طاعة قانونٍ أسمى هو قوّة الرّوح.
ويشترط غاندي لنجاح سياسة اللاعنف وجود عاملين، العامل الأول: وجود إنسان مؤمن بأن اللاعنف هو سبيل حياة، فاللاعنف يتطلب وجود إنسان يمتلك فطرية إنسانية تتجاوز التقسيمات القومية والآراء التسلطيّة، والأيديولوجيات المتصلبة، والنظريات الانعزالية، ويتمتع بالقوة والإرادة على زرع بزور التسامح في قلب الأخوة الإنسانية، والعامل الثاني: وجود مبادئ أخلاقية قابلة للتطبيق في سياق التربية اللاعنفية قوامها المحبّة لكل الخلائق والتضحية من أجل الإنسانية وتحمل المسئولية تجاه الكون والكائنات، وأيضًا ضرورة أن يتمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.
وظل غاندي طوال حياته يعارضُ العنف ويبشر بالمقاومة السلمية وبالنضال اللاعنفي وكان دائمًا يردد أن الرد على الوحشية بوحشية هو إقرارٌ بالإفلاس الأخلاقي والفكري، وأن النصر الناتج عن العنف هو مساو للهزيمة إذ إنه سريع الانقضاء، وإن العين بالعين هو مبدأ يحول البشر لمجموعة من العميان، وأينما يتواجد الحب تتواجد الحياة.