«كل حاجة حلوة».. تذكرة لحب الحياة
طفلة صغيرة فى السابعة تمامًا يأخذها والدها، ذات يوم، من مدرستها لزيارة أمها «مريضة اكتئاب» بالمستشفى عقب محاولة انتحار فاشلة.. فتقرر الطفلة أن تشرع فى إعداد قائمة «لكل حاجة حلوة» فى الحياة؛ لعلها تعيد لأمها حبها للحياة.
ظلت تضيف للقائمة كل الأشياء التى تحبها وفقًا لعمرها، وتدرجت الأشياء الجميلة من طفولتها لمراهقتها حتى صارت شابة.. كلها أشياء بسيطة، وقد تبدو عادية، لكنها جميلة.. لأنها مشحونة بكل معانى الحياة: «الآيس كريم والقطط والمكرونة البشاميل وميكى ماوس والأسطوانات القديمة والمفاجآت والأحضان... إلخ».
قائمة أرادت بها البطلة أن تصل للألف، لكن فى الحقيقة تجاوزته حتى وصلت إلى المليون.. مليون حاجة حلوة.. تجعلنا نعيد النظر للحياة.. وجدارتها بأن نعيشها.. وجدارتنا نحن البشر بتلك النعم.. وهل ندرك كونها نعمًا وهدايا ربانية، أم أننا لا نثمنها لأنها متاحة، لأنها تمنحنا ذاتها دون تعب منا..
وعبر تلك الحاجات الحلوة التى تضمنتها القائمة ترشدنا البطلة «ناندا»، لكيفية التعامل مع مريض الاكتئاب وأصحاب الميول الانتحارية، وحول تلك التيمة التى جمعت بين القسوة والجمال، يدور العرض المسرحى «كل حاجة حلوة»، الذى قدمته فرقة المعبد بمسرح روابط «من ٣٠ سبتمبر لـ١و٢ أكتوبر الجارى» عن نص الكاتب الإنجليزى لندكان ماكميلان، وترجمة وإعداد وإخراج أحمد العطار، وبطولة الممثلة السورية ناندا محمد.
يبدأ العرض بالبطلة توزع على الجمهور كلمات وجملًا مرقمة مقتبسة من قائمة الحاجات الحلوة، وبمجرد أن تذكر الرقم أثناء العرض يشارك المتفرج ورقته مع الجمهور ويقرأ عليهم الحاجة الحلوة المكتوبة بها.
يشارك الجمهور أيضًا بطلة العرض فى تشخيص الأدوار، ففى كل مرة تختار البطلة عددًا من المتفرجين ليشاركوها اللعبة المسرحية ويشخصوا أدوار: الطبيب البيطرى الذى يعطى كلبها حقنة الرحمة وتعيش معه تجربتها الأولى مع الموت، والأب حين يصطحبها لأمها فى المستشفى، وحين يلقى كلمة فى حفل زواجها، والإخصائية الاجتماعية التى طالما ساعدتها وشجعتها، وأستاذتها فى الجامعة التى درست لها الأدب، و«سامى» حبيبها، الذى التقته فى المكتبة، وكان دومًا يحفزها على استئناف القائمة حتى وصلت للمليون، وهكذا وعبر تلك اللعبة المسرحية التى يشارك بها الجمهور مشاركة تفاعلية، نتخطى معًا دور المتفرج السلبى «وهو ذات الدور الذى يتورط فيه بعضنا، ممن هم قريبون من مرضى الاكتئاب تجاه هذا المريض» لا لنصبح ممثلين مشاركين فى العرض فقط، بل لنصير نحن مجموعات الدعم التى يحتاجها صاحب الميول الانتحارية.. يبذل كل منا محاولته فى بث الجمال والحياة، سواء بقراءة جملته المخصصة من القائمة أو بأدائه لشخصية داخل العرض أو عبر مصافحة البطلة التى تصافح جميع المتفرجين مصافحة طائرة بالكف على أنغام غنوة تحبها وتضعها ضمن قائمة الحاجات الحلوة.
وكما نرى، فإن العرض ينتمى موضوعيًا إلى نوع من المسرح التوعوى التفاعلى: فعلى مستوى الوعى يمرر لك العرض معلومات وإرشادات هامة عن طبيعة مرض الاكتئاب وسلوك أصحابه وميولهم الانتحارية.. وكيف يجب أن نتعامل إنسانيًا مع حالات الانتحار.. إلا أن ذلك يتم بطريقة جمالية ودرامية ناعمة مستندة على التشاركية والتورط فى الحدث.
وهذا النوع من المسرح التفاعلى كما يراه مخرج العرض أحمد العطار، هو نموذج فى المسرح.. كيف تخلق المتعة مستندًا إلى عناصر المسرح الأساسية «نص وممثل وجمهور» لا توجد إضاءة ولا ديكور عرض مرن جدًا يصلح لأن يقدم فى فضاءات غير مسرحية، ويمكن أن يقدم فى أماكن مفتوحة أيضًا.. شرطه الوحيد هو الممثل والجمهور.
إن عرض «كل حاجة حلوة» يدق ناقوس خطر ويرسم معنا بداية طريقة للتوعية، خاصة أن الدولة المصرية مطالبة، حاليًا، بوضع استراتيجية لمكافحة الانتحار، وربما قد شرعت فى ذلك بالفعل، حيث أثبت بعض الدراسات مؤخرًا ارتفاع نسبة الانتحار، لم نصل لمعدل يستدعى القلق، كما تفيد دراسة مركز البحوث الجنائية، لكن علينا أن نكون مستعدين لتجنب هذا الخطر.
وسأقتبس من تلك الدراسة التى وزعت على الجمهور عقب العرض، ما جاء على لسان أستاذة العلوم السياسية بالمركز: «الانتحار علميًا من الظواهر المعدية، فمن الممكن أن يرى الشخص غير المهيأ نفسيًا حالات الانتحار فى وسائل الإعلام فيقوم بتقليدها، ومن الممكن أن يرى تعاطف الناس مع المنتحر فيريد الحصول على هذا التعاطف».
إن كلام الباحثة، والذى تم تضمينه على نحو ما فى العرض، مستتبعًا بإرشادات مهمة لتفادى هذا التأثر، إرشادات يجب تضمينها فى بروتوكول شرف إعلامى منها: «حظر بث مشاهد الانتحار، وعدم ذكر أسباب مسطحة للانتحار مثل (خسر أمواله فى البورصة وتركت حبيبها ورسبت فى الامتحان)، عدم كتابة معلومات غير مؤكدة عن المنتحرين والتوعية بمرض الاكتئاب وطرق تقديم الدعم والمساعدة للمرضى».
وأخيرًا ربما لم تنجح القائمة مع الأم التى كررت محاولة الانتحار أكثر من مرة.. لكنها أنقذت الفتاة ذاتها من أن تعيد إنتاج صورة الأم، وهى مرشحة لإنقاذ آخرين وأخريات.. فلماذا لا يشرع كل منا فى تدشين قائمة بكل حاجة حلوة؟