المخرج أحمد العطار: مصر بها بنية ثقافية عملاقة ولا نحتاج سوى التخطيط
إلى جانب مسارح الدولة يلعب المسرح المستقل دورًا كبيرًا فى إثراء الحركة المسرحية المصرية منذ التسعينيات، فى هذا العدد تحاور «الدستور» المخرج أحمد العطار، أحد أصحاب التجارب الناجحة فى المسرح المستقل أو «البديل» كما يحب أن يسميه.
■ متى وكيف بدأت علاقتك بالمسرح؟
- بدأت بالصدفة البحتة، فقد كنت أحلم بالدراسة بمعهد السينما، ولاعتبارات عائلية دخلت كلية العلوم، لكن حصلت على منحة لدراسة علوم الكمبيوتر فالتحقت بالجامعة الأمريكية، وتركت كلية العلوم.
وأثناء ذلك، علمت أن بعض الزملاء بالجامعة أعلنوا عن احتياجهم لوظيفة مساعد مدير خشبة، وتقدمت للمهمة وأنا لا أعرف طبيعتها، ومن لحظتها لم أخرج من المسرح، وفى العالم التالى تأسس بالجامعة الأمريكية قسم للمسرح، فتركت دراسة الكمبيوتر وتقدمت إليه، وبدأت الرحلة.
■ كيف تبلورت رؤيتك الفنية ككاتب ومخرج مسرحى؟
- بالنظر للخلف، أستطيع القول إن هناك أشياء كثيرة لم أكن أفهمها فى حينها، وتعلمتها مع الوقت بالتجربة، وأنا ممن يرون أن الفن لا يحتاج إلى شهادة، فكثير ممن درسوا وحصلوا على شهادات عملوا بالتدريس ولم تؤهلهم مهاراتهم لأن يكونوا فنانين، فالفنان يحتاج إلى المعرفة، سواء بطريقة أكاديمية أم باجتهاد شخص، ولكنه إلى جانب ذلك يحتاج إلى التجربة والممارسة والمشاهدة للاطلاع على أحدث وأهم التجارب حول العالم.
والحقيقة أننى كنت محظوظًا، لأننى حظيت بالثلاثة روافد، وهى الدراسة والممارسة والمشاهد، فأساتذتى، مثل الدكتور محمود اللوزى، والأساتذة الذين أتوا خصيصًا من أمريكا، أعطونا معرفة واسعة بالمسرح، كما شاهدنا عروضًا مهمة، بالإضافة إلى أنى عملت بالعديد من الأدوار فى العروض التى كانت تنتجها الجامعة، مثل مساعد مخرج ومدير إكسسوار وإدارة خشبة ومسئول إضاءة، وغيرها من الأدوار المتعددة.
كما أخرجت وأنا طالب ثلاث مسرحيات، هى «عرف كيف يموت» و«الأتوبيس» و«أوديب الرئيس»، ثم أسست فرقتى وأنا طالب، أى «فرقة المعبد» فى عام ١٩٩٢، وشكل ذلك فارقًا كبيرًا فى اطلاعى وتكوينى، خاصة الفترة التى عشت بها فى فرنسا، حيث شاهدت على مدار عدة سنوات مسرحًا مميزًا من كل مكان فى العالم.
أما بالنسبة لرؤيتى، فإنى أرى أن المسرح قاتل، وتأثيره يفوق تأثير الفنون التفاعلية الأخرى، فمن الممكن أن أحتمل مشاهدة فيلم سيئ لآخره، لكنى لا أستطيع أن أشاهد مسرحية سيئة، لذا تنصب رؤيتى على تقديم مسرح جاذب للجمهور، ولا يكون مميتًا، بل يكون حيًا وحيويًا يعبر عن واقعه وهمومه.
ولذلك كانت لدىّ إشكالية كبيرة مع النص، فحين أردت أن أعبر عن همومى وهموم جيلى لم أجد نصوصًا معبرة، لذا لجأت للكتابة عن نفسى، وكانت لدىّ دومًا رغبة فى أن أكسر النص، وحين كتبت «اللجنة» كانت على خلفية تجربة حقيقية عشتها أثناء عملى فى «صندوق التنمية الثقافية»، وكذلك فى «الحياة حلوة أو فى انتظار عمى اللى جاى من أمريكا»، فعلى مستوى الموضوع كان موضوع العائلة نموذجًا مصغرًا للمجتمع، وأنماط العلاقات وبنيات السلطة الأبوية فى نموذج العائلة وتأثيرها، وتأثير الإعلام وتدفق المعلومات، والتناقض الكبير بين ما نراه فى الميديا ويرفع أفق توقعاتنا وطموحاتنا وبين ما هو متاح فى واقعنا، وهو أقل بكثير.
■ ما مشروعك الأساسى الكتابة أم الإخراج؟
- شرعت فى الكتابة حين لم أجد نصًا يتناول الموضوعات التى كانت تشغلنى وتعبر عنى وعن جيلى، ثم أحببت الفكرة رغم صعوبتها، فالأسهل أن تُخرج نصًا ليس من تأليفك، لكن الكتابة أصبحت تساعدنى فى التعبير بتدقيق أكثر عن همومى.
■ فى رأيك.. لماذا تراجع المسرح المستقل؟
- أفضل دائمًا تسميته المسرح البديل، لأن هناك إشكالية فى كلمة مستقل ومعناها، ففى الثمانينيات كانت هناك أزمة كبيرة فى المسرح، وكان مسرح القطاع الخاص قد اختفى، فقد أعلن محمود الحدينى، رئيس البيت الفنى للمسرح، وقتها، عن أن الأسبوع سيتضمن ٣ ليالٍ مظلمة بدلًا من ليلة واحدة «الليلة المظلمة هى إجازة المسرح السنوية»، وهو بالنسبة لى مؤشر على أن هناك أزمة كبيرة.
وكان المسرح المستقل فنيًا وجماليًا مسرحًا بديلًا لمسرح القطاع الخاص، ويعمل بذات الآلية، ولكنه يقدم صورًا ومناهج فنية جادة ومتنوعة، فعفت تهتم بقضايا المرأة، وكريم التونسى يقدم رقصًا معاصرًا، ومحمد أبوالسعود يطرح قضايا وجودية، الحركة مسرح نقد سياسى، وده كان صحيًا جدًا.
والآن اختلفت الصورة والمجتمع تغير، والرقص المعاصر أخذ مكانة أكبر، ربما لأن الجسد أصبح أكثر مركزية كموضوع، ورغم عودة القطاع الخاص، حتى لو اختلفنا على محتواه، فإن المشهد لم يتحسن بالنسبة لهذا النوع من المسرح بل ساء كثيرًا عما مضى، وصارت الصورة غير واضحة، من حيث هوية الفرق نفسها ووعيها بنوع المسرح الذى تقدمه، ومن حيث العلاقة بمؤسسات الدولة، وأشكال الدعم المقدمة لهم.
■ كيف ولماذا بدأت تأسيس ستديو عمادالدين؟
- كنت وقتها قد بدأت فى بروفات عرض «ماما عايز أكسب المليون»، وهو من إنتاج مسرح برلين، وكان إنتاجًا كبيرًا وضخمًا، وكل الموارد كانت متوافرة، سواء الإنتاج أو المسرح أو الفنانين الكبار، والشىء الوحيد الذى لم يتوافر حينها كان مكان البروفات، فكنت أجرى بروفاتى فى صالون بيتنا، وقلت لنفسى إذا كنت رغم كل الإمكانات المتوافرة لا أجد مكانًا للبروفات فما بالك بمعاناة الفرق التى لا تملك موارد، وكنت قد شاهدت تجربة فى لندن، هى «شيروود سبيس»، وهو مركز ضخم فيه أماكن لإجراء البروفات للفنانين، فعملت على توفير المكان المناسب، مع بعض الالتزامات، وشروط الاستخدام العادل لضمان الاستدامة.
■ بعد أيام تبدأ الدورة السابعة من مهرجان وسط البلد «دى كاف» للفنون المعاصرة.. فكيف بدأت فكرته؟
- منذ بدأت التجول بين عروض المهرجانات الكبرى حول العالم، كنت أقارنها بمهرجاناتنا وأنزعج لأمرين أساسيين، أولهما أنه لا توجد رؤية فنية للمهرجان، وثانيهما سوء التنظيم، مثل تأخر بعض الفعاليات أو إلغائها دون إعلان، وحتى المهرجان التجريبى بدأ قويًا ثم فقد بوصلته مع مرور الوقت.
وكان لدىّ حلم بمهرجان منضبط إداريًا وله رؤية واضحة، وحين عملت مستشارًا لشركة الإسماعيلية، ومديرها كريم شافعى، وجدت عندهم وعيًا بدور الثقافة وأهميتها فى تطوير منطقة وسط البلد، وتحمسوا كثيرًا لفكرتى، وبدأنا العمل كمجموعة من الفنانين من أصحاب الرؤى الخاصة والحديثة، وكانت شركتنا «المشرق» للإنتاج مسئولة عن توفير الدعم للمهرجان، وكان واضحًا أن علينا أن نكون حريصين على ملاءمة المحتوى والدقة فى المواعيد.
أما عن مسألة الفنون المعاصرة، فجاءت لأننى أرى أننا مجتمع معاصر، فنحن أبناء هذا العصر بكل تفاصيله الإيجابية والسلبية، وأرغب فى أن يتم التعبير عن ذلك بطريقة حديثة ومعاصرة أيضًا، وهدف «دى كاف» هو أن يرى الفنانون المصريون أحدث ما يُقدم فى المسرح والسينما والموسيقى والفن التشكيلى فى العالم.
■ عملت بصندوق التنمية الثقافية.. ما رأيك فى أزمة الفنون فى مصر؟
- مصر تتوافر بها إمكانات كبيرة جدًا، وليس هذا من قبيل «الشوفينية»، لكن، وبالمقارنة بالمنطقة العربية كلها، فإن البنية الأساسية للفنون والثقافة، والتى تم إنشاؤها فى مصر فى فترة خمسينيات وستينيات القرن الماضى غير متوافرة فى أى بلد عربى، وهى بنية أساسية وضخمة وموجودة، ولا يتطلب الأمر كثيرًا حتى تعود للعمل بكفاءة، ولكن يتطلب الأمر تخطيطًا وإعادة هيكلة.
والمشكلة أن دولاب العمل بوزارة الثقافة لم يتم تحديثه منذ زمن بعيد، ووقتما صمم هذا الدولاب كانت مواردنا مختلفة، وإمكاناتنا مختلفة، لكن اختلف الأمر منذ الثمانينيات وزاد التكدس الوظيفى والميزانيات المتاحة أصبحت محدودة، الأمر الذى يتطلب تحديث الرؤية لتحديث المنظومة، وإطلاق موديل إدارى حديث.
وعلينا أن نعمل على تعظيم الاستفادة من الموارد دون أن نستهدف الربحية، لأنه ليس دور الثقافة، وليس المطلوب أن تتحول تلك المؤسسات لمؤسسات تجارية بما يتعارض مع دورها الأصيل، وقد يحتاج الأمر أن تتخفف وزارة الثقافة من دور المنتج إلى دور الداعم أكثر.
■ ما مشروعك المسرحى المقبل؟
- أعمل الآن مع المسرح القومى بالسويد على مسرحية ضخمة، من تأليفى وإخراجى، عن جاذبية الأشخاص المشتغلين بالسلطة، وعن كاريزما السلطة الاجتماعية والسياسية ورأس المال.