الحوار الوطنى بدأ بالفعل
أتابع باهتمام بالغ الخطوات التى تتم فى إطار الحوار الوطنى منذ كان مجرد فكرة وتوجيه من الرئيس السيسى.. مر الحوار بعدة مراحل حتى وصل إلى مرحلته الحالية.. كانت هناك مرحلة الخلاف حول مفهوم الحوار، وتوجس بعض الأطراف فى اتجاهات مختلفة منه، ومرحلة اختبارات الثقة المتبادلة بين الأطراف وبعضها البعض، ومرحلة تكوين الأمانة العامة للحوار، ثم مرحلة اختيار مقررى اللجان والمقررين المساعدين.. ثم قوائم الإفراجات المتتالية لمن لم يتورطوا فى الإرهاب.. وهذه كلها مراحل هامة قطعها الحوار وما زال ينتظر الوصول إلى مراحل أهم.. وقد لفت نظرى أن بعض الأطراف يتحدث عن تأخر الحوار أو أن طرفًا آخر يرد عليه بأن الحوار لم يتأخر.. والحقيقة أننى لا أرى داعيًا للسؤال ولا للرد عليه.. فالحوار قائم بالفعل ويمضى قدمًا فى كل يوم، إلا إذا كان المقصود هو الجلسات النهائية فى الحوار أو جلسات المناقشة.. وهى جلسات مهمة لكنها ليست كل الحوار الوطنى.. وأيًا كانت العوامل الموضوعية التى أدت لعدم بدء الجلسات فالنظرة التحليلية تقول إن جلسات الحوار ربما تتأخر لما بعد الانتهاء من مؤتمر المناخ وهو حدث عالمى كبير من المنطقى أن تحتشد كل الجهود لإنجاحه، وفى رأيى أن كل وقت يمضى يسهم فى إنضاج مواقف جميع الأطراف وفى مزيد من فرص النجاح للحوار الذى هو حالة سياسية وفكرية أكثر منه جلسات للمناقشة، ومن مزايا الحوار أنه يتيح لكل الأطراف توضيح صورتها الحقيقية بعيدًا عن المؤثرات الخارجية ومزايدات الأطراف المحسوبة عليها.. والحكمة العربية تقول «أن تسمع منا أفضل من أن تسمع عنا» ومن وجهة نظرى الخاصة أن مشروع الرئيس للإصلاح لم يتم شرحه ولا تسويقه بعد، وأنه خير من يفعل هذا، وأرى أنه من الظلم الشديد اعتبار بعض مقدمى البرامج هم الواجهة الإعلامية للرئيس، هم يقومون بجهد مشكور ومقدر لكنهم لا يعبرون عن مشروع إصلاح مصر لأن بعضهم ببساطة غير ملم بأبعاد هذا المشروع وهذا لا يعيبه فى شىء.. وأظن أنه بعد انتهاء مرحلة المواجهة مع الإرهاب، والتكتم على تفاصيل آلاف المشاريع، ومع بدء ظهور نتائج العمل كحقيقة ماثلة على الأرض، فإنه آن أوان شرح الرؤية وبيان الإنجاز وتحديد الأهداف المقبلة وطلب التأييد من المعارض قبل المؤيد، ولعل هذا هو ما يقودنا إلى النقطة الثانية أو الهدف الثانى الذى أتخيله محللًا للحوار وهو تكوين جبهة وطنية واحدة ضد الإرهاب والتدخل الأجنبى تتداخل مكوناتها الوطنية وتعبر عن مشروع الرئيس السياسى والإصلاحى، فالرئيس من خلال موقعه فى القوات المسلحة جمع بين حماية ثورتى يناير ويونيو وبين مقاومة آثارهما الجانبية والحفاظ على جسد الدولة المصرية مع إصلاح جوانب العطب فيه بسرعة وحسم، وبالتالى فليس من المنطقى أن تضم الجبهة الوطنية المؤيدين التقليديين للدولة المصرية الذين توارثوا تأييدها منذ الخمسينيات حتى الآن بغض النظر عن اسم الرئيس ومشروعه السياسى، إن هؤلاء لا تثريب عليهم ولا لوم لهم، ودوافعهم معروفة، ومخاوفهم من انهيار الدولة مقدرة، ومكانهم محفوظ وجهدهم معروف، لكن العقل والمنطق يقول أن تتسع الصفوف أيضًا لوافدين جدد اقتنعوا بأن مشروع الرئيس الإصلاحى هو البديل الوحيد للثورة التى لم ولن تحقق أهدافها بسبب عدم نضج الظرف الموضوعى المحيط بها وسرقة الإخوان الإرهابية لها من اللحظة الأولى، من الأهداف التى يجب أن يسعى لها المؤتمر من وجهة نظرى الخاصة صياغة وثيقة سياسية جامعة تحدد أهداف مصر فى هذه المرحلة وتعبر عن فكر ثورة ٣٠ يونيو بعد ثمانى سنوات من التحديات والإنجازات وصلت فيها الثورة لمرحلة النضج وجلاء الرؤية واستطاعت أن تنتصر على الإرهاب والفساد إلا من أصوات يائسة هنا وهناك.. إن كل هذه واجبات ومهام يجب أن يستعد لها المشاركون فى الحوار الوطنى من الآن على أن يتم تنفيذها عندما يتم عقد الجلسات والاتفاق على التوصيات قريبًا بإذن الله.