الزحف الثانى إلى روما!
الزحف إلى روما، The March on Rome، كان عنوانًا لفيلم وثائقى، أخرجه وتم عرضه، الشهر الماضى، فى الدورة التاسعة والسبعين لمهرجان فينيسيا السينمائى الدولى، تناول فيه مخرجه الأيرلندى مارك كازين، صعود بينيتو موسولينى إلى السلطة فى إيطاليا، محاولًا تقديم إجابات عن أسئلة من عينة: كيف كان حدوث ما حدث ممكنًا؟
شاء القدر أن تجرى الانتخابات الإيطالية، فى سبتمبر أيضًا، لأول مرة منذ قرن تقريبًا، وأن يفوز فيها، بأعلى الأصوات، حزب «فراتيلى ديتاليا»، Fratelli d›Italia، أو «إخوة إيطاليا»، الذى تأسس فى ديسمبر ٢٠١٢، ويوصف بأنه وريث حزب «الحركة الاجتماعية الإيطالية»، الذى أسسه أنصار موسولينى، بعد الحرب العالمية الثانية، ما دفع البعض إلى ربط، أو مقارنة، ما يحدث الآن، بما حدث منذ ١٠٠ سنة!
فى ٢ أكتوبر ١٩٢٢، صرخ موسولينى، خلال مؤتمر عقده بمدينة نابولى: «إما أن نحصل على الحكومة أو سنأخذ حقنا بالزحف إلى روما»، فأجابته الحشود بالهتاف: «إلى روما.. إلى روما». وبالفعل، قام أعضاء ميليشيا «سكاردريزمو»، أو «القمصان السود»، فى مثل هذا الشهر، منذ مائة سنة، بمسيرة «الزحف إلى روما»، التى بدأت من ميلانو، وانتهت بسيطرة الفاشيين على العاصمة، ما اضطر الملك فيكتور إيمانويل الثالث إلى تكليف موسولينى، بتشكيل الحكومة، فى ٢٩ أكتوبر ١٩٢٢، ليصبح «الدوتشى»، الذى كان عمره ٣٩ سنة، أصغر رئيس وزراء فى تاريخ إيطاليا، وليبدأ رحلة سيطرته على السلطة، ومحاولة تحقيق حلم السيطرة على حوض البحر المتوسط، وتأسيس إمبراطورية إيطالية تمتد من الحبشة إلى ساحل غينيا.
الإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن موسولينى بعد فوزه بعضوية البرلمان، فى انتخابات ١٩٢١، التقى مع السفير الأمريكى ريتشارد واشبورن تشايلد، فى روما، وغالبًا عقد معه اتفاقًا، تحول بموجبه اعتراض الولايات المتحدة على مشاركة الفاشيين فى الحكومة الإيطالية، إلى تأييد وتشجيع. ولو عدت إلى الفيلم الوثائقى، الذى أشرنا إليه، ستعرف أن زعماء الغرب استقبلوا صعود «الدوتشى» بحفاوة بالغة، لدرجة أن وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، وصفه بأنه «أعظم المشرعين على قيد الحياة». وشعبيًا، بلغ الإعجاب به حدّ تأسيس أحزاب سياسية فى عدة دول، من بينها بريطانيا، على مبادئ الحزب الإيطالى الفاشى.
أكتوبر هو شهر موسولينى. فيه زحف إلى روما، سنة ١٩٢٢، وصار رئيسًا للوزراء، وفيه غزا إثيوبيا، سنة ١٩٣٥، دون إعلان حرب، لأنها أقل من أن تستحق هذا الشرف. وفى أكتوبر التالى، ١٩٣٦، تحالف مع هتلر، وقال فى خطاب شهير إن جميع الدول الأوروبية ستدور، منذ ذلك الوقت، فى محور روما برلين، وبالتالى نشأ مصطلح «المحور»، ذلك التحالف الذى، أصبح عسكريًا سنة ١٩٣٩، واتسع ليشمل اليابان، المجر، رومانيا وبلغاريا، وصار الطرف المهزوم فى الحرب العالمية الثانية، التى بدأت فى أول سبتمبر ١٩٣٩، وانتهت فى ٢ سبتمبر ١٩٤٥، بانتصار قوات الحلفاء: ٥٠ دولة، منها ١٨ خاضت معارك الحرب.
بانتهاء الحرب العالمية الثانية، قام مجموعة من أنصار موسولينى بتأسيس «الحركة الاجتماعية الإيطالية»، التى كانت المرجعية الأساسية لليمين الأوروبى القومى، والتى يوصف حزب «إخوة إيطاليا» بأنه وريثها، بينما يقول الواقع إن هذا الحزب وكل الأحزاب الأوروبية الشبيهة فى أوروبا، كحزب «الجبهة الوطنية» الفرنسى، مثلًا، ليست فاشية، أو فاشية جديدة، ولكنها مجرد أحزاب يمينية قومية تقوم بتعديل مواقفها، من أجل تحقيق نصر انتخابى. وعليه، فإن ما كان ممكنًا منذ ١٠٠ سنة لم يعد واردًا أو محتملًا الآن.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تقدم بخالص التهنئة إلى «ميلونى» على فوز حزبها فى الانتخابات، متمنيًا لها التوفيق والنجاح فى قيادة جمهورية إيطاليا الصديقة، نحو الرخاء والمستقبل المشرق. كما أعرب الرئيس عن تطلعه للعمل معها فى إطار الشراكة الراسخة التى تجمع مصر وإيطاليا من أجل تطوير العلاقات الثنائية ونقلها إلى آفاق أرحب من التعاون المثمر، فى جميع المجالات، وعلى نحو يتسق مع تاريخ البلدين العريق وحضارتهما العظيمة، ولما فيه خير الشعبين الصديقين والإنسانية كلها.