أمريكا تحارب الجوع!
برنامج طموح للقضاء على الجوع فى الولايات المتحدة، بحلول سنة ٢٠٣٠، أعلن عنه الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى مؤتمر عقده، أمس الأول الأربعاء، بالعاصمة واشنطن. واستبقه البيت الأبيض بزعمه، فى بيان، أن أكثر من مائة شركة خاصة ومنظمة خيرية ومجموعة صناعية، «قطعت وعودًا جريئة»، بتقديم أكثر من ٨ مليارات دولار، لتحسين فرص وصول المجتمعات المهمّشة إلى الطعام.
تضع إدارة بايدن محاربة الجوع على رأس أولويات ما تصفه بـ«أجندة الإنصاف». وبعبقريته الفذة، شرح الرئيس الأمريكى أبعاد الأزمة بقوله: «عندما لا تستطيع العائلات تحمل تكاليف الطعام، يكون من الصعب على الأطفال النجاح فى المدرسة، ويمكن أن يؤثر ذلك على الصحة العقلية والبدنية لجميع أفراد الأسرة». ثم أشار إلى أن شعار «مكافحة الجوع» رفعته إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، وأطلقت فى مؤتمر، عقدته سنة ١٩٦٩، أجندة سياسية غذائية، لمدة ٥٠ سنة، تم بموجبها توسيع برامج المساعدات الغذائية.
الطريف، أن مؤتمر نيكسون، الرئيس الأمريكى السابع والثلاثين، جاء بعد ثمانى سنوات من مقترح الرئيس الأمريكى الرابع والثلاثين دوايت أيزنهاور، الذى تأسس بموجبه «برنامج الأغذية العالمى»، التابع للأمم المتحدة، والأكثر طرافة هو أن انتهاء السنوات الخمسين تزامن مع عرض الفيلم الوثائقى «الفقر فى الولايات المتحدة: أن تكون فقيرًا فى أغنى دول العالم»، الذى أخرجه سيباستيان جيل، سنة ٢٠١٩، وأكد أن ٤٣ مليون أمريكى يعيشون تحت خط الفقر، وأن عشرات الآلاف من العائلات اضطرت إلى الانتقال، بالكامل، من ولاية إلى أخرى، للعمل فى وظائف غير مستقرة، تتيح لها، بالكاد، أى بالعافية، البقاء على قيد الحياة!.
انتهاء السنوات الخمسين تزامن، أيضًا، مع ظهور وباء كورونا المستجد، الذى أنهك الاقتصاد العالمى، وأضاف إلى مَنْ يعيشون تحت خطر الفقر ربع مليار، على الأقل، لا نعرف نصيب الولايات المتحدة منهم، لكن ما نعرفه هو أن كامالا هاريس، نائبة الرئيس، أقرت فى ديسمبر ٢٠٢٠، أى قبل شهر من دخولها البيت الأبيض، بأن بلادها تتعرض لأزمة جوع غير مسبوقة، ووعدت بأن تعمل إدارة بايدن على حلها بدءًا من اليوم الأول. لكن خلال السنة الأولى، ثم الثانية، تزايدت أطوال طوابير الجياع أمام بنوك الطعام، وتجاوز عدد الأمريكيين، الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانات البطالة، ستة أضعاف الرقم القياسى!.
رسميًا، قال تقرير أصدرته وزارة الزراعة الأمريكية، الشهر الجارى، إن ١٣.٥ مليون مواطن، واجهوا صعوبة، خلال العام الماضى، فى توفير ما يكفى من الطعام لأفراد أسرهم. لكن ما يشكك فى صحة هذا الرقم، هو أن الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الأمريكى، فى فبراير ٢٠٢١، قالت إن ٢٩ مليونًا من البالغين الأمريكيين، لا يجدون ما يكفيهم من الطعام فى غالبية أيام الأسبوع. والرقم نفسه أعلنه رؤساء ٤٠ مؤسسة خيرية، تساعد الجياع فى الولايات المتحدة، وهم يطالبون الكونجرس، بالإسراع فى تبنى خطة دعم جديدة.
مع الأزمة الأوكرانية، ازدادت الأوضاع سوءًا، وصار الطين الأمريكى أكثر بللًا، خاصة بعد تقليص الدعم الحكومى المرتبط بالوباء، فى محاولة لتحجيم التضخم، الذى وصل إلى أعلى مستوياته منذ ٤٠ سنة، كما واجهت الولايات المتحدة ارتفاعًا فى أسعار المواد الغذائية، لم تشهده خلال العقود الأربعة، وسار معها العالم كله «بثبات نحو أسوأ أزمة غذاء فى التاريخ الحديث»، حسب كبار الاقتصاديين المشاركين فى نسخة العام الجارى من المنتدى الاقتصادى العالمى، دافوس، الذين حذروا، فى تقريرهم السنوى، من العواقب المدمرة لتفكك الاقتصاد العالمى، وتوقعوا أن تواجه الحكومات خيارات صعبة وأجواء متقلبة وحالة من عدم اليقين.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكى، الذى سيحتفل بعيد ميلاده الثمانين فى ٢٠ نوفمبر المقبل ويحلم بالقضاء على الجوع خلال عشر سنوات، فاجأ حضور المؤتمر بسؤاله عن جاكى والورسكى، عضوة الكونجرس، التى توفيت الشهر الماضى فى حادث سيارة. بالنص قال: «جاكى أين أنت، هل أنت هنا؟ أعتقد أنها هنا»، مع أن بايدن نفسه كان قد أصدر بيانًا أعرب فيه عن حزنه وصدمته لفقدانها وقدم العزاء لعائلتها!.