زلزال إيطالى يقلق أوروبا
بأصوات الغاضبين من غلاء المعيشة، والمؤيدين لشعار «الله.. الوطن.. العائلة»، والرافضين لإملاءات بروكسل، والراغبين فى إعادة التفاوض بشأن المعاهدات الأوروبية، ومعارضى أيديولوجيا النوع الاجتماعى، وصعود ما يوصف بـ«مجتمع الميم»، وكارهى تدفق المهاجرين غير الشرعيين- قفزت نسبة حزب «فراتيلى ديتاليا»، أو «أخوة إيطاليا»، من ٤٪ فى انتخابات ٢٠١٨، إلى ٢٦٪ فى الانتخابات التشريعية الأخيرة، ليصبح الحزب الأول فى البلاد، ولتكون رئيسته، جورجيا ميلونى، أول امرأة تترأس الحكومة الإيطالية.
التحالف الذى يجمع «فراتيلى ديتاليا»، Fratelli d›Italia، مع حزب «الرابطة» اليمينى، بقيادة ماتيو سالفينى، و«فورزا إيطاليا» المحافظ، بقيادة سيلفيو برلسكونى، وصلت نسبته إلى ٤٧٪ من الأصوات، ما يضمن له، بسبب اللعبة المعقدة للدوائر الانتخابية، غالبية مقاعد مجلسى النواب والشيوخ، وبالتالى تشكيل الحكومة. وتأكيدًا لما يقلق الأوروبيين، كتبت «ميلونى» فى حسابها على «تويتر»، صباح الأحد: «انتهى العيد.. ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية». وفى المقابل، قالت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إن لدى الاتحاد الأوروبى «أدوات» لمعاقبة الدول الأعضاء، التى تنتهك قيمه المشتركة.
يُقال إلى «فراتيلى ديتاليا»، هو وريث «الحركة الاجتماعية الإيطالية»، ذلك الحزب الفاشى، القومى المحافظ، الذى أسسه أنصار بينيتو موسولينى، بعد الحرب العالمية الثانية. ومع أن «ميلونى» أكدت، فى حوار مع مجلة «ذا سبكتيتور» البريطانية، أن «الذين يحنون إلى الفاشية والعنصرية ومعاداة السامية» لا مكان لهم فى صفوف حزبها، فإن خصومها يوجهون لها هذا الاتهام، مستندين إلى وصفها لـ«موسولينى» بأنه كان سياسيًا جيدًا، فى تصريح لقناة «فرانس٣» التليفزيونية، منذ ٢٦ سنة، أى عندما كانت فى التاسعة عشرة!
المولودة فى ١٥ يناير ١٩٧٧، بالعاصمة الإيطالية روما، رأست، خلال دراستها الثانوية، سنة ١٩٩٦، جمعية مدرسية كان شعارها «الصليب السلتى»، Celtic cross، شعار الفاشيين الجدد. وسنة ٢٠٠٦ صارت عضوًا فى مجلس النواب، ثم اختيرت، بعد سنتين، وزيرة للشباب فى حكومة برلسكونى، وكانت تلك هى تجربتها الوزارية الوحيدة. وفى أواخر ٢٠١٢ أسست مع منشقين آخرين عن «فورزا إيطاليا»، حزب برلسكونى، حزب «فراتيلى ديتاليا»، الذى رفض المشاركة فى «حكومة الوحدة الوطنية»، التى شكلها ماريو دراجى، فى فبراير ٢٠٢١، لإخراج إيطاليا من الأزمة الصحية والاقتصادية.
أول التحديات، التى ستواجهها الحكومة الإيطالية الجديدة، التى من المقرر أن تتولى مهامها نهاية أكتوبر المقبل، هو معالجة الارتفاع الحاد فى الأسعار، والتعامل مع أزمة الديون التى تمثل ١٥٠٪ من إجمالى الناتج المحلى. وهو ما يجعلها فى أمسّ الحاجة إلى استمرار مساعدات برنامج الاتحاد الأوروبى للإنعاش الاقتصادى بعد «كورونا المستجد»، الذى تعد إيطاليا أكثر المستفيدين منه وبفارق كبير عن باقى الدول.
هامش التحرك الاقتصادى أمام التحالف الحاكم، إذن، سيكون محدودًا جدًا. لكن الأرجح هو أن روما، تحت قيادته، ستقف فى صف وارسو وبودابست فى معركتهما مع بروكسل بشأن الدفاع عن المصلحة الوطنية فى مواجهة المصالح الأوروبية. صحيح أن «ميلونى» تخلت أو تراجعت عن مشروعها، الذى كان يهدف إلى الخروج من الاتحاد الأوروبى، لكنها ما زالت تطالب بـ«مراجعة قواعد ميثاق الاستقرار»، التى تحدد سقف العجز فى ميزانية الدول وديونها بـ٣٪ و٦٠٪، على الترتيب، من إجمالى ناتجها المحلى. أما ما بات فى حكم المؤكد، فهو أن وصول هذا التحالف إلى السلطة سيؤدى إلى إغلاق حدود البلد وسواحله التى يعبرها سنويًا عشرات آلاف المهاجرين، غير الشرعيين، ما يثير مخاوف منظمات غير حكومية، يتلخص نشاطها وسبب حصولها على التمويلات فى إغاثة ورعاية من يعبرون البحر، سرًا، فى مراكب متهالكة!
.. وتبقى الإشارة إلى أن «ميلونى» قالت أمس الإثنين، فى خطاب مقتضب، إن الناخبين الإيطاليين منحوا تفويضًا واضحًا لليمين لتشكيل الحكومة المقبلة، ودعت الجميع إلى الوحدة، لتجاوز المشاكل العديدة التى تواجهها البلاد. بينما يراهن المعسكر المضاد على أنها لن تتمكن من التعامل مع حلفاء مربكين، مثل برلسكونى وسالفينى، ويؤكد أن ائتلافًا حكوميًا كهذا لن يستمر طويلًا فى بلد يفتقر إلى الاستقرار الحكومى.