رؤية مصر لأزمات العالم
رؤية مصر للواقع الدولى وسبل مواجهة التحديات التى يشهدها العالم اليوم، طرحها سامح شكرى، وزير الخارجية، مساء أمس الأول السبت، أمام الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى تحمل عنوان «البحث عن حلول جذرية للتحديات المتشابكة»، وتنعقد فى مرحلة تاريخية دقيقة، تشهد فيها الساحة الدولية أزمات بالغة التعقيد والتشابك، تتطلب مواجهتها عملًا جادًا، وتفعيلًا للدبلوماسية متعددة الأطراف.
بعد أن بات المفهوم السائد للأمن الدولى أقرب إلى «نظام توازن القوى» منه إلى «نظام الأمن الجماعى»، ولأن البيئة الدولية صارت صراعية وليست تعاونية، شدّدت مصر على ضرورة تعزيز روح التوافق الدولى، لضمان أمن جميع الدول دون تهديد لسلامتها وأمنها. وأكدت على ضرورة طرح استراتيجية متكاملة تستهدف الأسباب الجذرية، لأزمات الأمن الغذائى والمائى وتغير المناخ وديون الدول النامية وتفاقم العجز فى موازناتها العامة، التى تعد نتاجًا لسنوات طويلة من إخفاق المجتمع الدولى فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
استنادًا إلى موقعها الجغرافى الفريد، أعلنت مصر عن استعدادها للتعاون مع المجتمع الدولى من أجل إنشاء مركز دولى لتخزين وتوريد وتجارة الحبوب، على أرضها. وبصفتها رئيس الدورة المقبلة، الدورة السابعة والعشرين، لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، كوب ٢٧، توجهت بنداء صادق لكل أعضاء الأسرة الدولية، لدعم الدول النامية والأقل نموًا فى جهودها لمواجهة الآثار المدمرة لتغير المناخ. وأوضحت أنها تتطلع خلال المؤتمر، الذى تستضيفه بعد أسابيع، إلى الخروج بنتائج تسهم فى الإسراع من وتيرة التنفيذ على كل الأصعدة، وتنفيذ تعهّد مضاعفة التمويل، وتوفير ١٠٠ مليار دولار سنويًا.
التوصل إلى حلول نهائية لأزمات جوارنا الإقليمى، يظل ركنًا أصيلًا فى بناء منظومة دولية آمنة ومستقرة. وانطلاقًا من مسئوليتها فى مساندة أشقائها، ومن إيمانها بأن منطقتنا عانت طويلًا وآن لها أن تتخلص من كل هذا العناء، طالبت مصر بضرورة التوصل إلى حل عادل ودائم وشامل للصراع الإسرائيلى الفلسطينى، بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، مع وقف أى إجراءات أحادية من شأنها تغيير الحقائق على الأرض. كما أكدت أنها ستواصل جهودها الداعمة للحلول السياسية فى سوريا ولبنان واليمن والسودان، بما يحفظ وحدتها وسلامتها وسيادتها ومقدراتها، وينهى التدخلات الخارجية فى شئونها.
يظل الأمن المائى أحد أهم التحديات التى تواجه عالمنا اليوم، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، التى يقع بعض دولها فى أكثر مناطق العالم جفافًا وتصحرًا. والمؤسف فى هذا الأمر أن هذه المعاناة الإنسانية الجسيمة قد لا تكون بالضرورة بسبب نقص الموارد أو تراجع كميات الأمطار فحسب؛ لكنها قد تعود بالأساس إلى عدم الالتزام بأحكام القانون الدولى، ورغبة بعض دول المنابع فى الاستئثار بالمورد المائى، بما يحرم دول الممر والمصب من نعمة إلهية ممنوحة لخير الجميع وليست حكرًا على شعب دون آخر.
تأسيسًا على ذلك، أكدت مصر على ضرورة التوصل، دون تأخير أو مماطلة، إلى اتفاق قانونى ملزم بشأن ملء وتشغيل ذلك السد الذى تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، صونًا لمصير وحقوق ٢٥٠ مليون مواطن مصرى وسودانى وإثيوبى. وبكلام واضح وقاطع، أكدت أن التمسك بالوسائل السلمية ليس ضعفًا، بل ينبع من مكامن قوة، وقدرة على صون الحقوق وحفظها، وإدراك مسئول للآثار السلبية للصراعات على الشعوب قبل الحكومات. وأوضحت أن تمسكها بضبط النفس، لأكثر من عقد كامل، لم ولن يعنى أبدًا التهاون فى حق الشعب المصرى فى الوجود، الذى ارتبط بنهر النيل منذ فجر التاريخ، مهدًا للحضارة وشريانًا للحياة.
.. أخيرًا، ومع استمرار التأثيرات السلبية للوباء والتطورات الجيوسياسية المتلاحقة، التى جعلت الدول النامية تواجه تزايدًا متناميًا فى الأعباء الملقاة على عاتقها، طالبت مصر بضرورة أن تتجاوب الدول المتقدمة مع مطلب إطلاق مبادرة عالمية بين الدول الدائنة والمدينة، تهدف إلى مبادلة الديون، وتحويل الجزء الأكبر منها إلى مشروعات استثمارية، تخلق مزيدًا من فرص العمل وتسهم فى تحقيق نمو إيجابى للاقتصاد.