حملة أخلاقنا
على صفحة الأستاذ عمرو الفقى، الرئيس التنفيذى للشركة المتحدة، شاهدت فيديو مبدعًا ضمن سلسلة فيديوهات تطلقها المتحدة فى إطار حملة «أخلاقنا»، الفيديو الذى شاهدته كان ضمن حملة توعية ضد التنمر.. وهو سلوك مذموم له جذور تاريخية فى مجتمعنا حيث يفرغ الناس القهر التاريخى الذى تعرضوا له عبر عصور الاحتلال فيمن هو أضعف منهم.. فالقوى يتنمر بالضعيف ويسميه اسمًا ذا دلالة على الضعف مثل «فتلة» مثلًا.. والأبيض يتنمر على أسمر البشرة ويسميه «شوكولاتة» والطويل يتنمر على القصير ويسميه «أوزعة» مثلًا.. إلى غير ذلك من الأمثلة التى تعرض لها هذا الفيديو جيد الصنع والذى يصل برسالته بشكل ممتع وسلس لجمهور لا يقرأ ولا تسمح ظروفه بالاستماع إلى برامج حوارية طويلة.. فقدمت له المتحدة هذه الكبسولة الأخلاقية المحترمة ضمن حملة تسويق بارعة يجب تحية من أشرف عليها ومن فكر فيها.. من الفيديوهات التى أطلقتها الحملة أيضًا مجموعة مقاطع من أفلام عربية قديمة يتحدث فيها الأبطال عن قواعد وتعاليم أخلاقية توقفنا عن تذكير الناس بها أو تربيتهم عليها منذ انسحبت الدولة المصرية من أدوارها المختلفة منذ عقدين أو أكثر وتحولت لسمسار ينظم حركة البزنس بين رجال الأعمال وشركائهم من المسئولين.. وكفى الله المؤمنين القتال.. فلا تعليم ولا تربية ولا إعلام منذ عام ٢٠٠٠ تقريبًا وحتى سقوط النظام فى يناير ٢٠١١ لنخرج من «نقرة» لنقع فى «دحديرة» وتنفتح علينا بوابات الإسفاف والفوضى والانفلات والإرهاب حتى ٣٠ يونيو وما تلاها من حرب مع وعلى الإرهاب.. إننى أذكر أننا فى منتصف الثمانينيات كنا نتسلم كراسات الدراسة مع الكتب وكانت من إنتاج شركة الورق المملوكة للدولة «رومنى» وكان مكتوبًا على ظهرها مجموعة من القواعد الأخلاقية تؤشر لاعتقاد الدولة بأهمية تحلى الشعب بالأخلاق إلى جانب العلم.. كانت هذه التعليمات من ميراث عقود سابقة واستمرت.. لكن الدولة منذ التسعينيات أصبحت فيما يبدو راغبة فى الاتساق مع نفسها فألغت الكراسات المجانية وألغت معها التعاليم الأخلاقية التى كانت تكتبها عليها للتلاميذ.. حيث كان كل شىء يشير لتراجع الأخلاق وطغيان الفساد والتدين الشكلى الذى هو ضد الأخلاق فى كل شىء.. بل إن مدارسنا فى الأربعينيات كانت تدرس مادة كاملة للأخلاق من إعداد المفكر الكبير الأستاذ حسين أمين، وما زالت بعض نسخ هذا الكتاب تباع لدى باعة الكتب القديمة فى سور الأزبكية.. والحقيقة أننى فى إطار عملى أتابع مقاطع فيديو كثيرة للرئيس الأسبق ينتشر بعضها هذه الأيام فلم أصادفه فى واحد منها يتحدث عن أهمية الأخلاق أو دور الدولة فى نشرها وإن كان يتحدث فى كثير منها عن دوره فى «تظبيط» المسئولين الغربيين وغيرهم للحصول على إعانات اقتصادية كما كان يقول.. أيًا كان الأمر فقد تعرضت الأخلاق لإهمال كبير فى مجتمعنا باعتبارها ليست شيئًا ماديًا ملموسًا فى زمن طغت فيه المادة على كل شىء.. وتوافق فيه الناس على قواعد غير أخلاقية من الأساس مثل «معاك قرش تسوى قرش» و«الجنيه غلب الكارنيه» أى المادة غلبت القيمة والمكانة الاجتماعية.. ونسينا جميعًا قول الشاعر «وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا» ساد نوع من العمى والجهالة منعنا أن نرى أن التطور الاقتصادى فى الغرب كانت قاعدته أخلاقية بالأساس.. وأن قيم الصدق والتضامن والتكافل والالتزام بالمواعيد والوعود والمواثيق هى أساس أى تعامل تجارى أو اقتصادى.. هذا إذا كنا نريد النمو الاقتصادى لا أن نطبق قاعدة «اهبش واجرى» التى طبقها بعضنا لسنوات طويلة.. الرئيس السيسى أدرك أن الأخلاق هى ضمانة تماسك المجتمع وكانت هناك اجتهادات مختلفة فى هذا الاتجاه.. أظن أن حملة المتحدة هى أكثرها توفيقًا لما للإعلام من قدرة سريعة على التأثير إذا أحسن المسئولون فيه القيام بمهمتهم.. ولعل حملة المتحدة هذه تجيبنا عن السؤال الدائم حول جدوى تدخل الدولة فى الإعلام لصيانة الوجدان العام للأمة.. فلم أصادف قناة خاصة تصدت لمثل هذه الحملة لأن المشروع الخاص هدفه الربح من خلال الإعلانات وبالتالى فهو يسعى لاستضافة من يجلب له الإعلانات حتى ولو كان عكس مبادئ القائم على الرسالة الإعلامية.. وهو أمر لا يمكن أن تجده فى شركة مثل المتحدة تعى جيدًا دورها كذراع الدولة فى صيانة الوجدان العام للأمة.. وهو دور نشكرها عليه ونشجعها على لعب المزيد منه.