دراسة توضح منعرجات العلاقة بين الحكومة الألمانية وجماعة الإخوان
نشر المرصد المصري، التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة بعنوان "ضربة جديدة.. منعرجات العلاقة بين الحكومة الألمانية وجماعة الإخوان"، للباحثة منى قشطة، متناولة تحركات جماعات الإسلام السياسي وتطويق خطرهم.
وقام المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا الأحد الماضي، بطرد كافة الواجهات الإخوانية من عضوية المجلس وفي مقدمتهم المركز الإسلامي في ميونخ واتحاد الطلبة التابع للإخوان المسلمين، وقام كذلك بتجريد الرجل الأول للتنظيم الدولي للجماعة في ألمانيا “إبراهيم الزيات” المعروف بوزير مالية الإخوان من كافة مناصبه داخل الاتحاد. وتأتي هذه القرارات في سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها السلطات الألمانية مؤخرا لتحجيم نشاط جماعات الإسلام السياسي في ألمانيا.
وأوضحت الباحثة منى قشطة، أنه كان وصول الإخواني المصري سعيد رمضان، صهر مؤسس الجماعة حسن البنا، إلى ألمانيا أواخر الخمسينيات واتخاذها ملاذًا بعد حملة الملاحقات ضد عناصر الجماعة في مصر عام 1954، بداية عهد ألمانيا بالإخوان عندما اتخذ ميونخ كنقطة انطلاق مبكرة لتأسيس شبكة للإخوان المسلمين في أوروبا، فتولى السيطرة على لجنة كان هدفها المعلن بناء مسجد في ميونيخ عام 1961، وبالتعاون مع القيادي السوري الإيطالي غالب همت ورجل الأعمال المصري يوسف ندا أصبح المسجد، المعروف باسم “المركز الإسلامي بميونخ”، المقر الأول للإخوان في ألمانيا وأوروبا.
وأشارت الدراسة، إلى أنه في البداية سمح تغافل الحكومة الألمانية عن ملف الإخوان المسلمين بتوسع الجماعة وانتشارها داخل البلاد، حيث ركز الفرع المصري جهوده التنظيمية على “الجماعة الإسلامية” بميونخ والتي سيطرت على مراكز إسلامية أخرى في فرانكفورت وماربورغ ونورمبرغ وشتوتغارت وكولونيا ومونستر وبراونشفايغ ومدن أخرى، وتمتعت بتأثير كبير داخل المجتمع الألماني، عكسه مشاركة عدة آلاف من الشباب المسلمين في اجتماعاتهم السنوية، ولعل أهم المراكز التابعة لها “المركز الإسلامي في كولونيا” (تأسس عام 1978 ويرتبط بالجالية الإسلامية التركية) و”اتحاد الطلاب المسلمين الألمان” (تأسس عام 1964 ويضم العديد من جمعيات الطلاب المسلمين في الجامعات الألمانية)، وهنا يبرز اسم المصري الألماني إبراهيم الزيات رئيس مركز كولونيا منذ عام 1997 والذي نصب نفسه كأبرز ممثل للإخوان في ألمانيا، وبرز كعضو قيادي في العديد من المنظمات الشبابية الإسلامية.
وأوضحت الدراسة، أنه ظلت السياسة الرسمية رافضة للاتصال مع الجماعة في الشرق الأوسط، وهي السياسة التي تحولت عقب أحداث ما سمي بالربيع العربي عام 2011 عندما اضطرت الحكومة الألمانية لتبني سياسة “الانخراط الحذر” وانتهاج نهجا براجماتيا في التعاون مع الجماعة التي باتت فاعلا رئيسا في بعض الدول الشرق أوسطية.
وتطرقت الدراسة، إلى ورقة داخلية ظهرت أسس تلك السياسة أعدتها وزارة الخارجية بعد فوز حزب النهضة التونسي بأكثر من 40% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في نوفمبر 2011 حيث قدمت الورقة الخطوط العريضة لاستراتيجية “التعامل الحذر” مع الإسلاميين في العالم العربي، وتعد الورقة محاولة لإنشاء أساس عمل مشترك للاتحاد الأوروبي مع الجماعة، حيث افترض مؤلفوها أن الأحداث في العالم العربي ستؤدي إلى دور أكثر تأثيرا للإسلام السياسي، وأن ما وصفوه بالأحزاب المعتدلة (تلتزم باللا عنف وسيادة القانون والديمقراطية بحسب الورقة) ظهرت بالفعل أو من المرجح أن تظهر كأقوى الأحزاب في الانتخابات في تونس ومصر ودول أخرى، ومن المرجح أن تكون في موقف قوي للتأثير على العملية الدستورية في البلدين. وقد صنفت الوثيقة صراحةً جماعة الإخوان كواحدة من هذه الأحزاب والحركات الإسلامية المعتدلة، لكنها أضافت بعض كلمات الحذر، مشددة على ضرورة ترجمة مواقف تلك الجماعات المعتدلة –بحسب الوثيقة– إلى أفعال سياسية ديمقراطية.
كما تطرقت الدراسة إلى ما شهدته ألمانيا خلال العام الجاري من جهود هادفة لإفشال مخططات جماعات الإسلام السياسي -وفي مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية- على أراضيها، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر منها قرار أعضاء المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا في يناير 2022، بطرد منظمة “التجمع الإسلامي في ألمانيا” (DMG)، ومشروع قرار أدرج في مارس 2022، لحزب البديل من أجل ألمانيا، إلى تجفيف منابع تمويل جماعات الإسلام السياسي من خلال تشديد الرقابة حول مصادر تمويل أنشطتها في ألمانيا، ومناقشة البرلمان الألماني في إبريل 2022 مشروع قرار حزب الاتحاد المسيحي حول منع تمويل الإسلام السياسي في ألمانيا، والذي ركزت بنوده على إلزام المنظمات بالكشف عن مصادر تمويلها، وتعزيز السلطات المخولة للاستخبارات الداخلية في التحقيقات المالية المتعلقة برصد وتتبع مصادر تمويل تلك المنظمات.
بالإضافة إلى أنه في يوليو 2022، تقدم حزب اليسار المعارض بطلب إحاطة في البرلمان الألماني لمساءلة الحكومة الألمانية عن التحقيقات التي أجريت من الأجهزة المعنية منذ عام 2017، وتتضمن تورط منظمات إسلاموية في قضايا تمويل النشاط الإرهابي، وتساءلت كذلك عن حالات الاشتباه التي تورطت فيها منظمات أو أشخاص من المنتمين للأوساط الإسلاموية في ألمانيا. سبق هذا، إحاطة أخرى تقدم بها نفس الحزب حول الروابط بين التنظيمات الإسلاموية الألمانية ونظيرتها النمساوية، والتي أثيرت بشكل واضح –حسبما أشارت ديباجة طلب الإحاطة- في هجوم فيينا الإرهابي في نوفمبر 2022؛ عندما التقى منفذ الهجوم شركاءً آخرين مقيمين في الأراضي الألمانية.
واختتمت الدراسة، أنه يأتي القرار الأخير للمجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا بطرد كافة الواجهات الإخوانية من عضوية المجلس، في إطار سلسلة الضربات الموجعة والجهود المكثفة للسلطات الألمانية والدول الأوروبية بشكل عام، الهادفة إلى تطويق واستئصال الخطر المتنامي لجماعات الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة الإخوان الإرهابية.