قتلة الأحلام
أخشى أننا تحولنا إلى مجتمع قاتل للأحلام.. بدأ الأمر مع عصور الانحطاط الحضارى بعد الهزيمة وأصبح كل شخص يستمتع بأن يقتل حلم الآخر.. هذا الآخر قد يكون زميلًا أو مرءوسًا واعدًا أو منافسًا محتملًا أو موهوبًا فى مجال ما.. لا يرى القتلة فى أصحاب الأحلام إلا أنهم خطر محتمل يجب الخلاص منه.. لا يرون فيهم إضافة للمجتمع وطاقته ولا للمؤسسة التى ينتمى لها الجميع.. لا يرون فيهم سوى الخطر.. مع الوقت أصبحت ممارسات قتل الأحلام شيئًا عاديًا ومتعارفًا عليه ويتم السكوت عنه ما دام قاتل الأحلام يستطيع أن يفرض وجوده وقانونه.. الكارثة التى تواجهنا الآن أن الناس تستنكر على مصر نفسها أن تحلم بالنهضة.. هناك من يريد حلم المجتمع لنفسه وحلم الرئيس بالنهضة لمصر.. جزء من هذا يقوم به المستفيدون والمتآمرون.. لكنه يلقى قبولًا من أناس تعودوا على قتل الأحلام.. سواء كانوا جناة أو مجنيًا عليهم.
على موقع «تويتر» شاهدت مقطع فيديو لنجم الكوميديا الأمريكى «ستيف هارفى».. جذبنى عنوان المقطع الذى يقول «إذا أردت أن تقتل حلمًا كبيرًا بداخلك فأخبره لشخص ضيق التفكير»!! هذه حقيقة.. فالشخص ضيق التفكير لن يستطيع فهم الحلم الذى هو شىء ما زال غير موجود فى الواقع.. الشخص «ضيق التفكير» فى قصة ستيف هارفى كانت مدرسته فى المدرسة وهو صغير.. كان طالبًا فقيرًا من أصل زنجى وفوق كل هذا يعانى من التلعثم ولا يستطيع أن ينطق الحروف.. وزعت المُدرسة على التلاميذ ورقة ليكتب فيها كل منهم حلمه الذى يريد تحقيقه.. كتب الطفل «ستيف هارفى» أنه يحلم بالظهور على التليفزيون!.. كان يمكن للمدرسة أن تتمنى له تحقيق حلمه حتى لو لم تؤمن به.. وكان يمكن لها أن تتجاهله ولكنها اختارت أن تقتل له حلمه.. استدعته ليقف أمام الفصل كله وهى تعرف أنه لا يستطيع الحديث وبدأت فى سؤاله: لماذا كتبت ذلك فى ورقتك؟؟ فتلعثم ولم يستطع الرد.. واصلت قتل حلمه قائلة: هل ظهر أحد من أفراد عائلتك فى التليفزيون حتى تحلم أنت بذاك؟؟ فلم يستطع الرد.. واصلت: هل ظهر أحد من جيرانك فى التليفزيون قبل ذلك؟.. هل ظهر أحد من طلاب هذه المدرسة؟؟ وكانت إجابته هى الصمت.. بعد ربع قرن من هذا الموقف أصبح ستيف هارفى من أشهر المذيعين فى أمريكا.. وبعد أن روى القصة قال: لذلك أهدى هذه المُدرسة شاشة تليفزيون مسطحة كل عيد ميلاد.. أريدها ألا تفتقدنى وأن ترى ماذا فعل الله من أجلى!!! حكمة بليغة لم تدركها هذه المُدرسة القاتلة.. أن الأحلام تتحقق عندما يؤمن بها أصحابها وعندما يريد الله أن يرينا آياته فى خلقه.. ستيف هارفى صاحب هذه الواقعة تقول سيرته الذاتية إنه كان مشردًا فى شبابه وكان فقيرًا وحاول فى مجال الملاكمة وامتهن عدة مهن حتى سن الثامنة والعشرين حين نجح فى مسابقة للأداء الكوميدى على مستوى صغير.. ثم أثبت نفسه والتحق بمحطة تليفزيونية كبيرة، وهو فى الرابعة والثلاثين، فكانت الانطلاقة الكبرى وأصبح نجمًا له برامج باسمه وكتب ومنتجات تجارية وتخطت ثروته الـ١٦ مليار دولار!! إنها حكمة الله فى خلقه.. أن يتخطى عاهته وفقره وظروفه كلها وينجح فى مجال أحبه بينما تبقى مُدرسته كما هى.. إننى أرى أن لدينا فى واقعنا الكثيرين من الذين يرفضون حق مصر فى أن تحلم لنفسها ويُشبهون هذه المُدرسة الأمريكية فى ضيق الأفق وسوء الخلق وعدم الفهم وعدم الإيمان أيضًا.. الذين يتندرون دون فهم أو إحاطة على شق الطرق والمحاور هم نسخة مصغرة من هذه المُدرسة، لأنهم يستكثرون على مصر حلمها بأن تضاعف مساحة العمران فيها أو أن تصبح مركزًا تجاريًا عالميًا.. والذين يُدينون بناء مدن جديدة هم نسخة من هذه المدرسة، ويجارونها فى ضيق الأفق والجهل، لأن مدينة ٦ أكتوبر منذ خمسة عشر عامًا فقط كانت صحراء فارغة من السكان والآن تعانى ميادينها من الزحام الشديد أحيانًا.. وهو نفس ما سيحدث للمدن الجديدة خلال العشر سنوات المقبلة ما دام معدل الزيادة السكانية كما هو.. وإلا فأين سيذهب ٢,٣ مليون مصرى يضافون للتعداد كل عام؟.. والذين ينشرون صورة مسجد فى مدينة جديدة ويقولون إنه مبنى فى الصحراء ولا يجد من يصلى فيه هم جهلة وقتلة أحلام أيضًا لأن المسجد والكنيسة هما عاملا جذب وتشجيع للمصرى كى يسكن مدينة جديدة، ومن يقل غير ذلك لا يعرف طبيعة المصريين ولا يغادر مكانه خلف شاشة الكمبيوتر الذى يبث لنا عبره جهله وضغينته.. وهو إما أجير عند من يدفع له أو قاتل أحلام محبط وضيق الأفق فاقد للثقة فى نفسه وفى بلده وفى حقه فى الحلم.. لا تكونوا مثل مُدرسة ستيف هارفى وكونوا مثل ستيف هارفى نفسه.. ثقوا أنكم تستحقون وأن مصر تستحق.. رغم أى صعاب.