تحويل وتمويل التعليم
إصلاح التعليم لم يعد كافيًا لبناء مجتمعات مسالمة ومزدهرة ومستقرة. والمطلوب، الآن، هو تحويل الأنظمة التعليمية، أو «تحويل التعليم»، بحسب عنوان المؤتمر الذى عقدته الأمم المتحدة على هامش دورة جمعيتها العامة السابعة والسبعين، والذى أكد خلاله أمينها العام، أنطونيو جوتيريش، أن أنظمة التعليم فى جميع أنحاء العالم فى حاجة إلى «أموال أكثر»، للتغلب على «أزمة بطيئة الاشتعال»، ستكون لها عواقب وخيمة، لافتًا إلى أن ثلثى دول العالم اضطرت إلى خفض ميزانياتها التعليمية منذ بداية وباء كورونا المستجد.
بـ«يوم التعبئة» انطلقت فعاليات المؤتمر يوم الجمعة، وتنتهى اليوم الإثنين بـ«يوم القادة»، وخلال مشاركته فى «يوم الحلول»، أشار جوردون براون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص المعنى بالتعليم، إلى أن «العالم يمر بأزمات متعددة»، وأن الحكومات والشركات والعائلات، فى كل مكان، تشعر بالضغوط المالية. وأكد أن أسرع طريقة لدعم التعليم، وتسريع وتيرة تحقيق الهدف الرابع لأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ٢٠٣٠، هى إعفاء ٧٦ دولة فقيرة من دفع تكاليف خدمة الديون، التى تقدر بـ٨٦ مليار دولار، خلال العامين المقبلين.
براون، Gordon Brown، هو نفسه رئيس الوزراء البريطانى بين عامى ٢٠٠٧ و٢٠١٠، الذى كان آخر سياسى عُمّالى وأول وآخر أسكتلندى يشغل هذا المنصب. وإلى جانب كونه مبعوثًا أمميًا، يرأس «اللجنة الدولية لتمويل فرص التعليم»، وكان قد طالب صندوق النقد والبنك الدوليين، وبنوك التنمية الإقليمية، وجميع الدول، فى ٢٠ أغسطس ٢٠٢٠، بالاعتراف بحجم الأزمة، التى تفاقمت بعد وباء كورونا المستجد، والتعهّد بدعم الإنفاق على التعليم، ووقف الطبيعة المتقطعة لتدفق المساعدات، منتقدًا قيام بعض الدول والجهات المانحة بغلق «حنفية التمويل» بين الحين والآخر، وداعيًا شركات ومؤسسات القطاع الخاص إلى إعطاء دعم التعليم العالمى أولوية أكبر، حيث لا يمكن بناء التنمية المستدامة إلا على أساس التعليم الجيد.
الهدف الرابع لأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ٢٠٣٠ ينص على ضمان توفير تعليم جيد وعادل وشامل للجميع، فى حين يقول الواقع إن هناك مئات الملايين من الأطفال المحرومين من التعليم، فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل وفى ٣٦ منطقة صراع. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن مصر شاركت، أواخر أغسطس الماضى، فىإطلاق «تحالف التمويل المبتكر»، IFFED، وشدّدت، فى الكلمة التى ألقاها وزير التربية والتعليم، نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسى، على أهمية الوصول إلى اتفاق عالمى لحل الأزمات التى قد يواجهها كل الدول، خاصة ذات الدخل المتوسط والمنخفض، بسبب الأزمات الاقتصادية العالمية، داعية إلى التفكير فى حلول غير تقليدية، ووضع خطط سريعة ومستدامة، من أجل سد العجز فى الإنفاق على التعليم.
ما يحدث فى مصر، الآن، ومنذ ثمانى سنوات، هو أن بناء الإنسان، صار على رأس أولويات الدولة، وجرى ضخ استثمارات ضخمة فى تطوير المنظومة التعليمية. وهناك شواهد كثيرة تؤكد أننا مستعدون، أو جادون، لمواجهة تحديات التعليم، الذى بات الهدف منه هو إعادة صياغة الشخصية المصرية ومعالجة ما أصابها من خلل، تأسيسًا، أو اعتمادًا، على أكبر نظام تعليمى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: أكثر من ٤٦ ألف مدرسة حكومية و٧ آلاف مدرسة خاصة، بها حوالى مليون معلم، و٢٥ مليون طالب.
التعليم، باختصار، يمثل أولوية قصوى للدولة المصرية، التى قامت خلال السنوات الثمانى، بعملية إصلاح، أو تحويل، تعليمى غير مسبوقة فى تاريخها، شملت تطوير البنية التحتية والتكنولوجية، وإنشاء العديد من المنصات الرقمية والقنوات التعليمية؛ لضمان وصول التعليم لجميع الفئات دون تمييز. وركزت على تطوير التعليم الفنى والمهنى وتقوية روابطه لتتماشى مع احتياجات السوق العالمية. كما أطلقت بنك المعرفة المصرى، EKB، الذى يُعد نموذجًا فريدًا يبلور عمليات الإصلاح، يمكن تصديره لدول المنطقة وتطويعه طبقًا لاحتياجات كل دولة.
.. وأخيرًا، من المقرر أن يقوم رؤساء الدول والحكومات المشاركون فى مؤتمر «تحويل التعليم»، اليوم، «يوم القادة»، بعرض بيانات الالتزامات الوطنية، فى شكل موائد مستديرة، مع بيان الأمين العام للأمم المتحدة.