الجمهورية البريطانية!
الجمهورية البريطانية، بدأت بإعدام الملك تشارلز الأول، وانتهت بتنصيب تشارلز الثانى ملكًا، ويراهن «الجمهوريون البريطانيون»، على أن يكون تشارلز الثالث، هو الملك الأخير، الذى يقسم نواب البرلمان والمسئولون وأفراد القوات المسلحة بالولاء له، وليس للدولة، ويمنحه الدستور، غير المكتوب، خلافًا لما هو شائع، امتيازات وصلاحيات مطلقة، تبدأ بعدم إمكانية مقاضاته ولا تنتهى بإقالة الحكومة وحل البرلمان.
تأسست حركة أو مجموعة الجمهوريين، سنة ١٩٨٣، وكان عدد أعضائها ٥ آلاف فقط، عند إشهارها رسميًا سنة ٢٠٠٦، باسم «الحملة الجمهورية»، ثم وصل الآن إلى ٨٠ ألفًا. ومنذ أيام، قال جراهام سميث، الرئيس التنفيذى للمجموعة، أو الحركة، أو الحملة إنهم سيطالبون بإجراء استفتاء لتحديد مستقبل النظام الملكى، متوقعًا أن يتبع رحيل إليزابيث الثانية تراجع كبير فى شعبية العائلة المَلَكية، وأن يزيد عدد الراغبين فى التحول إلى النظام الجمهورى فى المملكة المتحدة والدول التابعة للتاج البريطانى.
منتصف العام الجارى، وخلال الاحتفال باليوبيل البلاتينى لجلوس الملكة على العرش، عقدت المجموعة أو الحملة، مؤتمرًا عنوانه «اجعلوا إليزابيث الأخيرة». ومقابل شعار «ليحفظ الرب الملك»، الذى رفعه المحتفون بالملك الجديد، تشارلز الثالث، أطلق «الجمهوريون البريطانيون» شعار «ليس ملكى»، Not My King، ووضعوه على لافتات رفعوها فى أكثر من مكان مر فيه موكب تشييع الملكة، ثم جعلوه «هاشتاج» على تويتر، وأرفقوه بمقاطع فيديو وصور لأشخاص جرى اعتقالهم، لمجرد أنهم رفعوا شعارات مؤيدة للجمهورية!
التعامل الأمنى العنيف مع المطالبين بإلغاء الملكية، قوبل بردود أفعال غاضبة، وصلت أصداؤها إلى مجلس العموم، البرلمان، الذى طالب عدد من نوابه رئيسة الحكومة ووزير الداخلية باحترام حرية التعبير. والمفارقة، أن وسائل إعلام بريطانية كانت قد نشرت، منذ أسابيع قليلة، مقطع فيديو، يعود إلى سنة ١٩٩٤، تطالب فيه ليز تراس، رئيسة الحكومة الحالية، بالتحول إلى النظام الجمهورى. وكنا قد أشرنا، فى مقال سابق إلى أن «تراس» كانت عضوًا نشطًا فى «حزب الديمقراطيين الليبراليين»، خلال دراستها الجامعية، وانتقلت إلى حزب المحافظين، سنة ١٩٩٦، أى بعد سنتين فقط من الخطاب الذى دعت فيه إلى إنهاء الملكية.
هناك من يتوقعون انتهاء النظام الملكى فى غضون جيلين، أبرزهم الكاتبة هيلارى مانتل، Hilary Mantel، صاحبة الثلاثية الروائية «وولف هول»، Wolf Hall، التى تدور أحداثها بين عامى ١٥٠٠ و١٥٣٥ وتحولت إلى مسلسل تليفزيونى شهير. وفى ٢٨ مايو الماضى، نقلت جريدة الـ«إندبندنت» عن شون أوجرايدى، الخبير فى الشئون الملكية، أن تشارلز، لو كان قد أصبح ملكًا فى ثمانينيات القرن الماضى، لما كان النظام الملكى قائمًا إلى الآن، بسبب الفوضى التى هيمنت على حياته الخاصة خلال زواجه الأول.
تراجيديا الأميرة ديانا، من زواجها البائس إلى موتها الصادم، أجبرت العائلة المالكة، بحسب مؤرخها «إيد أوينز»، إلى إعادة صياغة صورتها العامة، وإظهار صورة «أكثر إنسانية» للملكة، من أجل اكتساب رضا الجمهور البريطانى. وفى كتابه عن حياة إليزابيث الثانية، «ملكة عصرنا»، Queen of Our Times، تحدث روبرت هاردمان عن «تطور» النظام الملكى البريطانى «ببطء وبشكل غير محسوس لكن بحزم وتعقل»، مع ظهور شبكات التواصل الاجتماعى وتسارع تدفق المعلومات، موضحًا أنه أصبح أكثر استجابة فى مواجهة القضايا المثيرة للجدل، بعد أن كان يضع رأسه فى الرمال.
.. وتبقى الإشارة إلى أن المملكة التى كانت عظمى، حتى منتصف القرن الماضى، عاشت فترة جمهورية، فى القرن السابع عشر، بدأت بإعدام الملك تشارلز الأول، فى ٣٠ يناير ١٦٤٩، وتنصيب القائد العسكرى أوليفر كرومويل رئيسًا لـ«كومنولث إنجلترا الحر»، بعد حرب أهلية طاحنة. غير أن هذه الفترة، التى توصف فى التاريخ السياسى البريطانى بفترة «ما بين العهود»، Interregnum، انتهت عمليًا بوفاة كرومويل، سنة ١٦٥٨، إذ لم يتمكن ابنه ريتشارد، الرئيس الثانى والأخير لـ«كومنولث إنجلترا الحر»، من الحفاظ على السلطة، لأكثر من ٢٦٤ يومًا، سقطت بعدها الجمهورية وعاد النظام الملكى واستعاد تشارلز الثانى العرش.