أمريكيون يقلقهم حال العالم!
النكتة السخيفة تحولت إلى لغز معقّد، حين وجدنا «وكالة أنباء الشرق الأوسط» تروّج للكذبة، التى وصفها «مركز ويكسنر الطبى» التابع لجامعة ولاية «أوهايو» الأمريكية بأنها «دراسة وطنية استقصائية جديدة»، بينما نراها محاولة ساذجة، لتقديم صورة للشعب الأمريكى تخالف الواقع، الذى يؤكد جهله، أو جهل الغالبية العظمى منه، بالقضايا السياسية الخارجية.
تقول النكتة، أو الكذبة، إن «الدراسة الاستقصائية» المزعومة، أظهرت أن ما يشهده العالم من انقسامات واستقطاب وأحداث مضطربة، أصاب العديد من الأمريكيين بالقلق والتوتر وحرمهم من النوم. ونقل بيان أصدره المركز عن الدكتورة «أنيسة داس»، Aneesa Das، أستاذ الطب الباطنى، أن حالات الأرق زادت بنسبة ٢٩٪ بين عامى ٢٠١٨ و٢٠٢١، ما ضاعف من معدلات الإصابة باضطرابات المعدة!.
جهل الشعب الأمريكى بالقضايا السياسية الخارجية، سبق أن حذر منه جورج كينان، أحد أبرز مخططى السياسة الخارجية الأمريكية فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى. ولعلك تتذكر قصة مارى لويز كيلى، مراسلة إذاعة «إن بى آر» الرسمية الأمريكية، خريجة جامعة «هارفارد» التى اتهمت مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى السابق، بأنه أهانها وسبّها، ثم عرفنا من بيان، أصدره الرجل، أن سبب الخلاف، أو الاشتباك اللفظى، هو أنها لم تتمكن من تحديد موقع أوكرانيا على الخريطة. سألته عن مارى يوفانوفيتش، السفيرة الأمريكية لدى كييف التى كانت قد أقيلت فى ذلك الوقت، فسألها بومبيو: «هل تعتقدين أن الأمريكيين يهتمّون بأوكرانيا؟»، ثم طلب من مساعديه أن يحضروا خريطة العالم، ليس عليها أسماء الدول، وطلب منها أن تشير إلى موقع أوكرانيا، فوضعت إصبعها على بنجلاديش!.
المذيعة، خريجة هارفارد لم تكن استثناءً، فبينما كانت الولايات المتحدة تستعد لغزو العراق، أظهرت دراسة نشرها موقع «ناشيونال جيوجرافيك»، فى نوفمبر ٢٠٠٢، أن ١٤٪ فقط من الأمريكيين، يعرفون موقعها، موقع العراق، على الخريطة. وسنة ٢٠٠٦، أى بعد ثلاث سنوات من الغزو، أظهرت دراسة للموقع نفسه أن ٣٧٪ فقط استطاعوا تحديد موقع العراق. وتكرر الشىء، أو الجهل نفسه، فى أبريل ٢٠١٣، حين أجرى مركز «بيو»، بالتزامن مع الجدل الذى أثير بشأن التدخل الأمريكى فى سوريا، استطلاعًا للرأى، واتضح أن نصف الأمريكيين المشاركين فيه لم يتمكنوا من تحديد موقعها على الخريطة.
الأكثر من ذلك، هو أن جارى جونسون، حاكم ولاية نيو مكسيكو، منذ سنة ١٩٩٥ إلى ٢٠٠٣، كان مرشحًا فى انتخابات ٢٠١٦ الرئاسية، وكان هناك من يرونه الخيار الثالث، بعد دونالد ترامب وهيلارى كلينتون. وحدث أن حل ضيفًا على قناة MSNBC، منتصف سبتمبر ٢٠١٦، وسأله مايك بارنكلى، مقدم البرنامج، عما سيفعله بشأن حلب، حال فوزه، فكان رده: «وما هى حلب؟»، ولما ضحك بارنكلى، وطلب من ضيفه أن يتوقف عن المزاح، فوجئ بأن المرشح الرئاسى، الذى كان حاكم ولاية، لا يعرف ما هى «حلب»، بعد ست سنوات، على الأقل، من اهتمام العالم بما شهدته تلك المدينة السورية من أحداث أو أهوال!.
ما يقطع بفبركة «الدراسة الوطنية الاستقصائية الجديدة»، وبأن جهل الأمريكيين نعمة، هو أننا لم نسمع عن هؤلاء القلقين على حال العالم، الذين خاصمهم النوم، حين قتلت قوات بلادهم، وحلفاؤها، مئات الآلاف فى يوغوسلافيا، سنة ١٩٩٩، وفى أفغانستان، سنة ٢٠٠١، والعراق فى ٢٠٠٣ و... و... وحين أقر التحالف، الذى تقوده الولايات المتحدة، فى مايو ٢٠١٩، بأنه قتل آلاف المدنيين «عن طريق الخطأ» فى سوريا والعراق.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الباحثين فى «مركز ويكسنر الطبى» التابع لجامعة ولاية «أوهايو» الأمريكية، الذين أعدوا، أو فبركوا، الدراسة العبثية، نصحوا الأمريكيين القلقين على حال العالم بالتعرض للضوء الطبيعى، خلال ساعات النهار، قدر الإمكان، وبالحد من التعرض لمصادر الضوء بصورة مباشرة، بعد غروب الشمس، وممارسة الرياضة، والذهاب إلى السرير فقط عندما يحين وقت النوم، واستخدام العلاجات السلوكية المعرفية، مثل التأمل واسترخاء العضلات، والحفاظ على مواعيد النوم والاستيقاظ، حتى فى عطلات نهاية الأسبوع. كما أوصوا، كذلك، بضرورة التحدث مع طبيب لتلقى المساعدة وتحديد طرق إضافية للتغلب على الأرق!.