ثلاث رئيسات.. وملكة
بانتهاء لقائها مع الملكة إليزابيث الثانية، فى قلعة «بالمورال» بإسكتلندا، صباح أمس الثلاثاء، صارت ليز تراس، Liz terrace، ثالث امرأة ترأس الحكومة البريطانية، ورئيس الوزراء الخامس عشر فى عهد الملكة، التى تجاوزت السادسة والتسعين، واحتفلت فى فبراير الماضى بالذكرى السبعين لجلوسها على عرش المملكة!
فى العادة، يتوجه رئيسا الحكومة، السابق واللاحق، إلى قصر باكينجهام فى وسط لندن، للقاء الملكة، وحضور مراسم تسليم السلطة. لكن هذه المرة اضطر بوريس جونسون، رئيس الحكومة المستقيل، وليز تراس، إلى قطع مسافة ١٦٠٠ كلم، لأن الملكة قررت عدم قطع عطلتها الصيفية، بسبب مشاكل صحية جعلتها غير قادرة على المشى أو الوقوف. وبعد اجتماع، استمر نحو ٣٠ دقيقة، طلبت من «تراس»، بصفتها زعيمة حزب الأغلبية فى مجلس العموم «البرلمان» البريطانى، تشكيل الحكومة، التى من المفترض أن تكون قد انتهت من تشكيلها، وعقدت أول اجتماع لها، قبل مثولها أمام المجلس، اليوم الأربعاء، لتجيب عن أسئلة النواب.
طيف تاتشر، تاتشر الجديدة، تاتشر الثانية، وغيرها من الصفات الشبيهة، التى توصف بها «تراس»، الآن، سبق إطلاقها على تيريزا ماى، حين اختيرت فى يوليو ٢٠١٦ رئيسة للوزراء، خلفًا لديفيد كاميرون، لكنها استهجنت تلك الصفات، ورفضت مقارنتها بالمرأة الحديدية، وقالت: «هناك تاتشر واحدة فقط».
الأداء النسائى فى رئاسة وزراء بريطانيا كان متباينًا، حسب تقرير، أو تقدير، نشرته جريدة «واشنطن بوست» الأمريكية، أشارت فيه إلى أن مارجريت تاتشر، التى توصف بـ«المرأة الحديدية»، والتى قادت المملكة منذ سنة ١٩٧٩ إلى سنة ١٩٩٠، كانت الأقوى وصارت من العلامات الفارقة فى تاريخ المملكة، بينما كان أداء تيريزا ماى، التى شغلت المنصب بين عامى ٢٠١٦ و٢٠١٩، أقل من المتوقع. وبعيدًا عن هذا التقدير، أو التقييم، فقد عكست الأمطار الغزيرة والعواصف القوية، التى صاحبت تعيين تراس، الوضع الاقتصادى القاتم، الذى تعيشه بريطانيا، والذى سيتعيّن عليها، وعلى وزرائها الجدد، التعامل معه من اليوم الأول.
خلال دراستها الجامعية، كانت «تراس» عضوًا نشطًا فى «حزب الديمقراطيين الليبراليين»، ثالث أكبر الأحزاب تمثيلًا فى مجلس العموم، لكن بعد سنتين فقط من خطاب ألقته فى مؤتمر للحزب اليسارى الوسطى، دعت فيه إلى إنهاء الملكية، انضمت سنة ١٩٩٦، إلى حزب المحافظين، ولتعدد مواقفها، وتنقلها بين اليسار واليمين، وصفتها وسائل إعلام بريطانية بأنها «حرباء سياسية». والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن استطلاعات الرأى، التى تجريها شركة «يوجوف»، YouGov، بين حين وآخر، منذ خمسين سنة على الأقل تُظهر أن أغلبية الشباب البريطانيين يعترضون على النظام الملكى ويفضلون أن يحكمهم رئيس منتخب. غير أن هذه الاستطلاعات تذهب مع الريح، بالضبط كما ذهب الاستطلاع، الذى أجرته الشركة نفسها، منذ أيام، وأظهر أن ١٤٪ فقط من البريطانيين يتوقعون أن يكون أداء «تراس» أفضل من أداء «جونسون».
المولودة فى ٢٦ يوليو ١٩٧٥، بمدينة أوكسفورد، لعائلة يسارية، كانت طفلة، فى سن السابعة، حين لعبت دور «تاتشر» فى محاكاة مدرسية للانتخابات، وقدمت أداءً بائسًا، حسب وصفها، أو اعترافها، لم تحصل عنه على أى صوت من زملائها الصغار. لكن، بعد ٤٠ سنة، اختارها «المحافظون»، لتلعب الدور نفسه، فى الواقع، لاعتقادهم أن بريطانيا فى حاجة لزعيم يشبه «تاتشر»، وله القدرة على خوض معركة التحول العميق فى البنية الاقتصادية للبلاد. وهناك من قالوا إن أزمات بريطانيا الحالية تشبه إلى حد كبير تلك التى واجهتها تاتشر سنة ١٩٧٩: تضخم قوى.. أزمات اقتصادية واجتماعية شديدة.. وإضرابات غير مسبوقة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تقدم، عصر أمس الأول الإثنين، «بخالص التهنئة» إلى ليز تراس على اختيارها رئيسةً للحكومة البريطانية، متمنيًا لها «وافر التوفيق فى أداء مهمتها الجديدة»، ومتطلعًا إلى العمل والتعاون معها ترسيخًا لمسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين. كما توجه الرئيس بالشكر لرئيس الوزراء البريطانى السابق بوريس جونسون على ما قام به لصالح دعم العلاقات المصرية البريطانية، ودوره فى تعزيز أواصر التعاون بين البلدين والشعبين الصديقين، متمنيًا له موفور السداد فيما هو قادم.