رئيس مهرجان المسرح التجريبى قال إن الدورة 29 تضم ضيوفًا من 46 دولة..
المخرج جمال ياقوت: المسرح ساعدنى على تجاوز آلام حريق بنى سويف
◄ مدير المدرسة الثانوية سخر منى وطردنى وقال: «المسرح معمول مخزن»
◄ مثلت لأول مرة فى كلية التجارة وتركت شغفى 8 سنوات لأضبط أوضاعى المادية
◄ هاجمنى سعد أردش بسبب تغييرات «بيت الدمية».. ثم أشاد بى: «طظ فى دكتور رانك»
◄ استحدثنا مسابقتين فى النصوص التجريبية والعروض القصيرة والتجريب حق لأبناء الأقاليم
ليس من السهل أن يتخذ الإنسان قرارًا بتغيير مسار حياته وهو فى مطلع سن الأربعين، لكن من يؤمن بحلمه سيفعل المستحيل.. وهذه ليست حكمة، بل هى اختصار لقصة حياة مبدع كبير، هو المخرج المسرحى الدكتور جمال ياقوت، الحاصل على جائزة الدولة للتفوق، رئيس مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى، الذى تنعقد دورته الـ٢٩ حاليًا.
«الدستور» حاورت المخرج الكبير، الذى أحب المسرح منذ أن كان طفلًا، واضطر لفراقه بعد التخرج حتى يضمن استقرار حياته العملية، ثم عاد طالبًا فى قسم المسرح بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، فى سن الـ٣٦، وتفوق وأصبح معيدًا وأتم الماجستير والدكتوراه، وأخرج مسرحيات مهمة، ولم يغفل أبدًا الاهتمام بشباب المسرح من الهواة.
كما تحدث عن تأثير حريق بنى سويف عليه، قبل ١٧ عامًا، الأمر الذى جعله يقرر ترك المسرح نهائيًا، قبل أن يجذبه الحنين مجددًا، وحكى عن خلافه مع الفنان الراحل سعد أردش، الذى استاء منه بسبب التغيير فى نص «بيت الدمية»، قبل أن يشيد به ويؤمن بفكره.
■ كيف ومتى بدأت علاقتك بالمسرح؟
- حينما كنت صغيرًا، كنا نذهب لجدتى فى دمنهور، ونقضى هناك فصل الصيف، وكان خالى يعمل مسئولًا عن سينما مصر الشتوية- أوبرا دمنهور حاليًا- فكنت أذهب معه وأشاهد أفلام «نغم فى حياتى» و«أبى فوق الشجرة»، وبعد الظهر نذهب إلى سينما النصر الصيفى لنشاهد بروفات المسرح.
أتذكر بروفات مسرحية «الأرض» التى أخرجها فهمى الخولى، وكان خالى هو مصمم الديكور، وصنع ساقية حقيقية تصب المياه بالفعل.. فانبهرت جدًا، وكانت فى منزل جدتى مكتبة ضخمة بها أعمال موليير وشكسبير، فتشبعت بفكرة المسرح وبدأت القراءة عنه فى المرحلة الابتدائية.
بعد ذلك جاءت مرحلة الانتقال من فعل التلقى السلبى إلى فعل الممارسة، وحين التحقت بالمدرسة الثانوية وجدت مسرحًا كبيرًا، فتحمست جدًا، وذهبت إلى الناظر لأطلب الالتحاق بفريق التمثيل، لكنه طردنى بالعصا وسخر من رغبتى فى التمثيل، وأكد أن «المسرح ده معمول عشان نستخدمه كمخزن كتب وفى حصص المراجعة ليس إلا».
وحين التحقت بكلية تجارة جامعة الإسكندرية، شاركت كممثل فى فريق مسرح أسسه الدكتور أيمن الخشاب، ومثلت فى مسرحية «فتش عن الرجل»، وفى السنة الثالثة كتبت نصًا مسرحيًا يحمل اسم «عائلة دهب»، وتقدمت به لمسابقة الجامعة وفزت بالمركز الأول، وقدموه فى مسرح الجامعة.
وعندما تخرجت وعينت موظفًا فى شركة العامرية واجهت أصعب تحدٍ فى حياتى، وهو أن المسرح لن يتوافق مع طموحاتى فى مجال ريادة الأعمال والتجارة، فاتخذت القرار الأصعب بالابتعاد عن المسرح ١٠ سنوات، ولم أستطع أن أكمل هذه الفترة، فبعد ٨ سنين استقلت وعدت إلى المسرح، بعد ما كنت نجحت فى تأسيس شركتى هنا وفى إنجلترا وأصبحت ظروفى المادية مستقرة.
بعد ذلك دخلت قسم المسرح بكلية الآداب سنة ١٩٩٩، وكانت سنى ٣٦ عامًا، وتخرجت وأنا فى الأربعين، ولم أعبأ بسخرية البعض- بعد ما شاب ودوه الكتاب- مستندًا إلى تاريخ من الممارسة والعمل بالمسرح، فتفوقت وعيّنت معيدًا، وأنجزت الماجستير عن المسرحى السويدى أوجست سترندبرج، ثم الدكتوراه فى الإنتاج المسرحى، وسلطت الضوء على ثلاثة نماذج من ثلاثة بلدان «المسرح الموسيقى من إنجلترا والأوبرا والمستقلة من السويد ومهرجان أفينيون من فرنسا»، ثم أنجزت دراسات فى الإنتاج وفى تخطيط المشروعات الإنتاجية ونظم الإنتاج المسرحى وتسويق المسرح، محاولًا أن أحافظ على توازن نسبى بين ممارستى للمسرح وإدارة أعمالى الأخرى، قدر الإمكان.
■ كيف حدث التحول من التمثيل للإخراج؟
- بالصدفة البحتة.. كنت أرى دائمًا أن حق المخرج مهضوم، وأن الممثل هو المرئى لأنه يصعد على المسرح وتسلط عليه الأضواء، وكنت أحب لحظات تحية الجمهور؛ كانت بالنسبة لى كممثل أسعد لحظات حياتى.
وذات مرة طلب منّى أيمن الخشاب أن أخرج مسرحية «الدنيا رواية هزلية»، لتوفيق الحكيم، لطلبة كلية التجارة، على سبيل دعم بعضنا البعض، وحين تحفظت، طلب منى تسجيل اسمى كمخرج فقط وهو سيدير الأمور، فوافقت، لكنه اختفى ولم يظهر حتى يوم العرض، فلم يكن أمامى سوى التصدى للتجربة.
أحببت مهنة الإخراج ووجدت أن الإبداع فيها مختلف عن التمثيل، لأنه يتطلب إبداعًا فكريًا وإبداعًا إداريًا لتوجيه مجموعة العمل، وشعرت بأن الإخراج أقرب إلى طبيعة عملى كمدير فى عالم إدارة البيزنس، فالإخراج يحتاج إلى نفس وظائف المدير، وعلى رأسها «التخطيط»، فالرؤية الإخراجية- كما وصفها سويفت- هى فن رؤية الأشياء المخفية.
كما يضطلع المخرج بمهمة «التنظيم»، فأنا كمخرج أريد اختيار مهندس ديكور متمكن، وهناك مهمة «التوظيف»، أى اختيار الأشخاص المناسبين لتوظيفهم وفقًا للجدارات المطلوبة، ثم مهمة «التوجيه والتنسيق والرقابة والمتابعة».. وجدتنى أكمل مسيرتى كمخرج، ونسيت التمثيل، حتى تمت دعوتى من ٨ سنوات لليونان للمشاركة بالتمثيل فى مسرح إغريقى فى مكان جبلى مفتوح أمام ٥٠٠٠ متفرج، ولم أتردد فى القبول رغم مخاوفى.
■ حين يتوقف الممثل عن العمل فترة طويلة لا تكون أدواته طيّعة.. هل واجهت صعوبة فى خوض تجربة التمثيل مرة أخرى؟
- جزء من عملى الأساسى كمخرج هو توجيه الممثل، وبالتالى علاقتى بالتمثيل لم تتوقف، والبعض يدعى أن شغل الممثل لا يخص المخرج، وهى مغالطة كبيرة، فأنا حين أوجه الممثل لا أعطيه الأداء طبعًا، فهذا جور على حقه وإبداعه، لكن أقدم ملاحظاتى من خارج الصورة وفقًا لرؤيتى.
مثلًا، حينما جسد أحمد السعيد شخصية الضابط فى مسرحية «القصة المزدوجة للدكتور بالمى»، كان لا يزال متأثرًا بشخصية القرد، التى انتهى لتوه من تجسيدها فى مسرحية «القرد كثيف الشعر»، ولاحظت ذلك فى أدائه الصوتى والجسدى، واحتاج إلى تدريبات كثيرة حتى يجسد الشخصية بهذا الشكل المذهل ويترشح عنه لجائزة أفضل ممثل بالمهرجان القومى للمسرح.
■ رغم عملك مع الهواة نرى ديكورات ضخمة فى عروضك، أى أنها لا تنتمى للمسرح الفقير.. ما تفسيرك؟
- كانت فكرة الإنتاج الفقير تقف أمام طموحاتى، لذا حينما حققت نجاحًا فى مجال البيزنس، أصبحت لدىّ القدرة على الإنفاق على الصورة التى أرغب فى تخليقها، فأنا فى «بيت الدمية» كنت أرى نورًا، وكأنها فى مدينة كبيرة تائهة، وأن منزلها مفتوح على العالم الخارجى، وكنت أرى شتاءً وثلجًا على الجدران الشفافة، ووفقًا لتلك الرؤية لم تصفق نورا الباب خلفها بقوة حين قررت الرحيل، كما وصف إبسن، بل جعلتها تترك الباب مواربًا، والتقطت نهاد صليحة تلك الإشارة بذكاء، وقالت «جمال فعل ذلك لأن كثيرًا ما يجبر المجتمع المرأة على العودة».
لكى أحقق تلك الصورة لم يكن إنتاج نوادى المسرح مناسبًا، لذا أنفقت على عرضى، وتعاونت مع مصمم الديكور الدكتور صبحى السيد، وحين تتعامل كمخرج مع مصمم ديكور بهذا القدر، لا يسعك إلا أن تشرح له رؤيتك «كانت باختصار: أريد بيتًا شفافًا» ثم تسأله: «ما طلباتك؟».
وقتها كانت ظروفى المادية تسمح بذلك، فقد انحزت لتحقيق الصورة التى أتمناها، وحصل العرض على جائزة أفضل ديكور فى الدورة الأولى للمهرجان القومى للمسرح.
وفى عرض «القرد كثيف الشعر»، طلبت منه صناعة سفينة بتفاصيل دقيقة مرتبطة بالحالة الشعورية المرتبطة بالعرض، وقد كلف ديكور هذا العرض ٤٥ ألف جنيه، وهذا ما جعل البعض يقول إننى أتسبب فى الإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، لكننى أرى أن وظيفتى كمخرج هى تشكيل الفراغ والاطمئنان أننى حققت المستوى الجمالى المطلوب وهو صلب دور المسرح، لأن المسرح منوط بتقديم الأفكار فى صيغ جمالية تمتع الجمهور، وإلا اكتفينا بتوزيع النصوص على المتفرجين.
■ كيف استعدت الثقة فى المسرح عقب حريق بنى سويف الذى كنت أحد مصابيه وفقدنا فيه عددًا كبيرًا من المسرحيين؟
- لن أدّعى أى شىء.. المعاناة الكبيرة كانت فى فقد «البنى آدمين»، وكتبت عن ذلك فى كتابى «رحيق النار».. أذكر أننا كنا فى المستشفى نتلقى خبر وفاة زملائنا ونحن نترقب مَنْ التالى.
مسألة الآثار الجانبية فى الحريق تحديدًا غير متوقعة، فالكاتب المسرحى مؤمن عبده حالته كانت أفضل منى بكثير، ورغم ذلك توفى ونحن نجهز لخروجه، ورغم ذلك لن أدعى أننى واجهت صعوبات فى العودة للمسرح، لقد ظللت قرابة العام أدهن كريمات علاج ليدىّ، ثم خرجت من المستشفى فى شهر نوفمبر وبدأت بروفات فى شهر ديسمبر.
كان الألم شديدًا لدرجة مخيفة، لكن كانت لدىّ عزيمة وإرادة على استكمال المسيرة وتجاوز الألم، والمسرح ساعدنى، واخترت «بيت الدمية»، لكننى كنت متخوفًا من طول النص وملل الجمهور، وكنت وقتها المعيد المرافق للدكتور والفنان الكبير سعد أردش، رحمة الله عليه، وكان يحدثنا دومًا عن «بيت الدمية»، وكان يرى أن من يمس هذا النص مجرم، لذا قررت أن أعيش دور المجرم.
قررت أن ألغى شخصية الدكتور رانك، وكنت مرعوبًا من أن يُحدث هذا خللًا فى حبكة النص، ورغم ألم الإصابة كتبت النص كاملًا واحتفظت بنسخة، وبدأت أعمل على إعداد النص وتكثيفه واستغرق منى جهدًا كبيرًا، وعرضته على عدد من الأساتذة الكبار، فأشادوا بالإعداد، ثم تجرأت وحكيت لسعد أردش أننى استبعدت شخصية دكتور «رانك»، فاستاء وغضب ووجه لى نقدًا لاذعًا.
وحين شاركت فى المهرجان القومى للمسرح بالعرض، فوجئت به رئيسًا للجنة التحكيم، وفوجئت بأنى حصلت على جائزة أفضل مخرج، ودعانى سعد أردش وأسرّ لى قائلًا: «عندك حق.. طظ فى دكتور رانك».
■ كأستاذ فى قسم المسرح بكلية آداب الإسكندرية.. ما إشكاليات تعليم الفنون فى مصر؟ ولماذا لا نعمل على خريطة مهنية منضبطة لتكون أساسًا للدراسة والتوظيف؟
- هذا الموضوع فى غاية الأهمية، فالمعهد ينقصه الاهتمام بالدراسات المتعلقة بالدراما، لكنه متميز بالمجال التطبيقى، بينما بعض أقسام الدراما يقتصر على الأدب والنقد «الجانب النظرى»، وهذا الموضوع يجب أن يكون عنوانًا عريضًا، لأنها إشكالية كبيرة ولا نعرف حتى الآن لماذا لا تتم الاستجابة للدعوة؟
السؤال هو من أين نبدأ؟ فإصلاح الواقع العملى متطلباته كبيرة جدًا، ونحن جميعًا نسعى فى هذا الاتجاه، فعلى الجانب الأكاديمى بذلت جهدًا كبيرًا لتضمين مادة إدارة الإنتاج، ولم تستجب لى إلا كلية الآداب بجامعة الإسكندرية وقسم المسرح بآداب جامعة عين شمس، وأذكر أننى كنت أجرى حوارًا عن مفهوم التجوال مع مخرج عرض «دكتور جيكل ومستر هايد» بأوبرا جوتنبرج، فعرفت أنهم فى التجوال يعتمدون على ذهنية أن كل شخص أو شىء له أدوار متعددة.
فى ٢٠٠٤، جاءنا عرض «هاملت هذا الزمن»، وكان معهم سيدة هى مربية أطفال ومسئولة ملابس، والديكور هو قطعة يُعاد تركيبها وتوظيفها فى مشاهد العرض، وهناك برنامج مسبق لتجوال العرض على مدار عام أو عامين.. فحين نتساءل لماذا لا يتوافر لدينا مثل هذا الأداء؟، فالإجابة لأنه ليس لدينا ما يسمى بتخطيط المشروعات الإنتاجية، بمعنى أن لدىّ موارد ولدىّ أهدافًا، والطريق من الموارد للأهداف هو طريق محكوم برؤى ومهام وخطط، لنحقق ما يسمى بالاستخدام الأمثل للموارد.
إذن فدراسة الإنتاج مهمة جدًا، وكذلك مادة إدارة خشبة المسرح، فضلًا عن دراسة تسويق الفنون، فيجب أن أدرس المواصفات الفنية للسلعة وسمات مجتمع التلقى.. وهى نفس الفكرة حتى فى السلع غير الثقافية، نضع مواصفات سلعة فى مقابل احتياحات مستهلك.
لذا، يجب أن نسأل أنفسنا سؤالًا مهمًا: كم فى المائة من الشعب المصرى يحتاج المسرح؟ وهذه معضلة كبرى لأننا نحتاج إلى خلق الاحتياج للمسرح، فحتى أستطيع أن أبيع لك كوبًا من أجل شرب الشاى، أعلمك فى البداية أنك تحتاجين إلى شرب الشاى.
■ كيف نخلق هذا الاحتياج؟
- هناك تجربة فى السويد، حينما شعر النشطاء بأن مجتمع العمال لا يستفيد من الدعم الذى تقدمه لهم الدولة فى شكل تذاكر مدعومة لحضور المسرح، ذهبوا لتوعيتهم، لكنهم لم يستجيبوا أيضًا، فأقاموا خيمة لتقديم المسرح فى أماكن إقامتهم، لكن العمال لم يهتموا، وبمرور الوقت استجابوا، وبدأوا ينتظمون فى الذهاب للمسرح.. بناء الجمهور يحتاج إلى جهد وإلى تأسيس مسرح فى المدارس والنوادى.
■ قبل «التجريبى» أسست مهرجان «مسرح بلا إنتاج»، وهو تعبير استوقفنى كثيرًا، أيوجد مسرح بلا إنتاج؟
- كنت أنظم ورشة وتقدم لها عدد كبير، وفوجئت بالطاقات والتطلعات، فأردت استثمارها فى مهرجان بعروض إنتاجها بسيط، وبالطبع لا يوجد مسرح بلا إنتاج، ولكن المقصود أنها عروض بلا تمويل، أو ذاتية التمويل، ولا يوجد تناقض، ولكنه سياق مختلف، فلديك شباب لديه شغف وتطلع للمسرح ولا تتوافر ميزانيات لإنتاج عروض لهذا الكم من الشباب.. فما الحل؟
الحل أن نبحث عن وسيلة وعن المتاح لنقدم عروضًا يعوض فيها الخيال نقص الموارد، تحت شعار: الخيال وليس المال.
■ ما الجديد فى الدورة الـ٢٩ من مهرجان القاهرة للمسرح التجريبى؟
- الدورة الماضية كانت دورة استثنائية، ولا يُقاس عليها، لأنها أعقبت انتهاء أزمة كورونا، وكان المتاح أربعة أشهر، وكنا نسابق الزمن.. لكن هذه الدورة كانت لدينا الفرصة للبحث عن الأشياء التى نريد أن نطورها.. فلدينا ضيوف من ٤٦ دولة، وفى مسألة الترجمة والمطبوعات.. اخترنا أن تكون متفقة مع تيمة المهرجان، المحور الفكرى «التجريب والتطور التكنولوجى»، واهتممنا بإطلاق مسابقة لطباعة أفضل الأبحاث الأكاديمية المتميزة لباحثى الماجستير والدكتوراه، كما أطلقنا مسابقتين إضافيتين فى النصوص التجريبية والعروض القصيرة.
كما طورنا المسار المستحدث من العام الماضى «نوادى المسرح التجريبية» فى مختلف ربوع مصر، فأنا ابن نوادى المسرح، وأرى أن معظم عروض النوادى يتسم بالتجريبية، ولكن الكثير من أصحابها لا يدركون أنهم يقدمون تجريبًا، لذا كنت أشعر بمسئولية تجاههم، وتساءلت: «أين هم من المهرجان التجريبى الذى تقتصر فعالياته على القاهرة؟»، وأنا أعرف أن لديهم شعورًا عامًا لمسته حين كنت خارج المهرجان بأن التجريب يتعلق بالنخبة، وليس لهم، وكانت هناك مشاعر سلبية تجاه المهرجان على مدار سنوات.
■ لكن المهرجان التجريبى بالفعل مؤسس على رؤية نخبوية تتعلق بأن يطلع فنانو المسرح على الجديد، على نحو يحفزهم على التجريب.. ما رأيك؟
- صحيح، وأعتقد أن من حق فنانى المحافظات أيضًا أن يشاركوا ويشاهدوا عروض المهرجان، وهذا ليس جديدًا، فقد كان يذهب بعض العروض للمحافظات وكذلك الورش.. فطالما لا يوجد مهرجان مماثل فى الأقاليم فلا يجب قصر هذا المهرجان على القاهرة، على سبيل العدالة الثقافية.
لذا سعيت لتجوال العروض بأقصى طاقة ممكنة، فأسسنا رؤية جديدة تعتمد على أن هذا المهرجان يجب أن يتجول أفقيًا بكل فعالياته قدر الإمكان، كما سعينا لأن يمارس الفنانون فى أقاليم مصر التجريب، فتواصلت مع هشام عطوة، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، واتفقنا على صيغة نوادى المسرح التجريبية، لندربهم ونوضح لهم مفهوم التجريب ونشجعهم على تقديم مشاريع بها أفكار تجريبية، وهذا العام تقدم لنا ١٨٠ عرضًا، واخترنا منها ٣٠ عرضًا لإنتاجها فى نوادى المسرح التجريبى.
كما طورنا فى الندوات باختيار تيمة واضحة للمحور الفكرى وجعل طريقة عرضها شيقة وجاذبة للحضور.
■ سعدت بمسابقة النصوص التجريبية، لأن معظم مسابقات الوطن العربى ينحاز للكتابة الكلاسيكية.. لكن هل كان من الواجب توضيح طبيعة النص التجريبى كعمل يتميز ببنية ولغة مفارقة للسائد؟
- نعم، لكن الحقيقة أثار الأمر حماس الكُتاب، فتقدم للمسابقة ٢٢٢ نصًا، صعد منها للقائمة الطويلة ٦٩ نصًا، ثم وصل للقائمة القصيرة ١٠ نصوص لكتاب من أهم كتاب الوطن العربى، وقريبًا سنعلن عن الـ٣ نصوص الفائزة فى المسابقة.
■ وما وجهة نظرك فى التسابق فى الفن؟
- أنا مع التسابق.. وأرى أن التسابق أمر حتمى فى الحياة وليس فى الفن فقط.
■ لكن الفن وإحساسنا بالجمال أمران نسبيان.. فكيف يكون التسابق؟
- صحيح أن الفن والإحساس بالجمال أمران نسبيان، لكنّ هناك فرقًا بين الحكم الشخصى والحكم الذاتى، ولا يوجد تحكيم ليس ذاتيًا، وأنا عاينت تجربة لعرض واحد اختلف عليه محفوظ عبدالرحمن ورضا غالب، أحدهما يرى أنه لا يمت للمسرح بصلة والآخر يرى أنه عرض متكامل، ومع ذلك أنا أصر على التسابق، لأنه يسبب حالة من حالات الوهج والتنافس من أجل التطور الفنى ورفع مستوى جودة العروض المقدمة للمهرجان.. مع ضمان عدالة المنافسة.
ما أكثر عروضك تعبيرًا عنك وقربًا منك؟
- «القرد كثيف الشعر» و«القصة المزدوجة» و«بيت الدمية»، بهذا الترتيب تحديدًا، فالعرض الأول كان منظومة عمل جماعى عظيمة تضم ١٠٠ ممثل بخلاف باقى فريق العرض، فكانت تجربة اجتماعية، ووقتها حصدت ٥ جوائز من المهرجان القومى.
أما «بيت الدمية»، فصنعتها عقب حادث بنى سويف، وحينها كنت قررت ألا أعود للمسرح مرة أخرى، لكن حين زارنى صبحى السيد وسألنى «ما القادم؟» فوجدتنى أرد بلا تردد: «بيت الدمية»، لذا فقد كانت مهمة جدًا لى نفسيًا.