سفيرهم فى القطب الشمالى!
سفير منطقة القطب الشمالى، هو منصب جديد استحدثته الولايات المتحدة، بزعم تكثيف دبلوماسيتها هناك، والتعامل مع دول تلك المنطقة ومجموعات السكان الأصليين، وأصحاب المصلحة الآخرين. والطريف، أن هذه الخطوة جاءت بعد ساعات قليلة من إعلان ينس ستولتنبرج، أمين عام حلف شمال الأطلسى، الناتو، خلال زيارته إلى كندا، عن حاجة الحلف إلى وجود قوى فى تلك المنطقة، لمواجهة القدرات الروسية، التى قال إنها تمثل تحديًا استراتيجيًا!
الخطوة الأمريكية، تأتى، أيضًا، بعد قيام سبع دول، من الثمانى، التى يتشكل منها «مجلس القطب الشمالى»، بتعليق مشاركتها، أو عملها فى المجلس، لأن الرئاسة الدورية تتولاها روسيا، التى تواجه مقاطعة غربية بسبب الأزمة الأوكرانية. وبعد أن أعرب أناتولى أنطونوف، السفير الروسى لدى واشنطن، فى يونيو الماضى، أن بلاده قلقة من الخطط الرامية لاستئناف عمل المجلس دون مشاركتها، وتحذيره من أن القرارات، التى سيتم اتخاذها لن تكون شرعية، لانتهاكها مبدأ الإجماع المنصوص عليه فى وثيقة تأسيس المجلس.
تأسس «مجلس القطب الشمالى»، سنة ١٩٩٦، بمبادرة من كندا، وكان هدفه المعلن هو «التعاون فى حماية البيئة والتنمية المستدامة»، ويضم ثمانى دول، هى روسيا، الولايات المتحدة، الدنمارك، أيسلندا، النرويج، فنلندا، السويد وكندا. وهناك مجلس آخر، هو «مجلس بارنتس» أو «المنطقة القطبية الشمالية الأوروبية»، تأسس سنة ١٩٩٣، ويوصف بأنه منتدى للتعاون الإقليمى ويضم الدول نفسها باستثناء الولايات المتحدة وكندا.
القطب الشمالى هو أعلى نقطة على محور دوران كوكب الأرض، وثانى أبرد منطقة بعد القطب الجنوبى، وتغطيه طبقة سميكة من الثلج، على مدار السنة. وقيل إن السيطرة على تلك المنطقة سيكون لها تأثير كبير على المناخ والجغرافيا السياسية لعقود مقبلة. وقيل أيضًا إن ارتفاع درجات الحرارة فيها، بمستويات تتجاوز باقى مناطق الكرة الأرضية، يزيد من احتمال ذوبان الثلج، وفتح ممرات مائية أمام السفن التجارية والعسكرية. ولعلك تتذكر ما صاحب إبحار سفينة حاويات، فى سبتمبر ٢٠١٨، فى الممر الشمالى الشرقى، من هلاوس أو استنتاجات، وصلت حد وصف ذلك الممر بأنه «قناة السويس الروسية»، بزعم أنه سيكون بديلًا لقناة السويس المصرية، مع أن خبراء التجارة الدولية استبعدوا، لعشرات الأسباب، أن يكون لتلك القناة أى جدوى اقتصادية.
تأسيسًا على ذلك، نرى أن الكلام عن المناخ والجغرافيا والممرات المائية، مجرد «غلوشة»، على السبب الفعلى، أو الأكثر منطقية، الذى يتمثل فى الثروات الطبيعية المختبئة تحت سطح الجليد، التى تم تقديرها بحوالى ٩٠ مليار برميل من النفط، و٤٧ تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعى. والأرجح، أن ذلك هو ما جعل الصين تبنى محطات أبحاث فيها، تمهيدًا لتواجد أكبر. فى حين سبقت روسيا الجميع، وقامت، منذ سنوات، بتعزيز انتشارها العسكرى فى تلك المنطقة، سواء بنشر غواصاتها فى المحيطين، الأطلسى والهادى، أو بإعادة فتح وتحديث قواعد جوية، كانت مهجورة بعد الحقبة السوفيتية، وبناء ١٣ قاعدة جديدة، وصولًا إلى الإعلان عن عقيدة بحرية جديدة، فى يوليو الماضى، تضمنت تعزيز مواقعها فى تلك المنطقة.
خبراء أمريكيون حذروا، منذ فترة طويلة، من أن الولايات المتحدة خسرت الصراع. وفى خطاب ألقاه فى «مركز ويلسون»، قال ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، فى ديسمبر ٢٠١٧، إن البيت الأبيض أدرك خطأ أسلافه ويحاول الآن بقوة اللحاق بمنافسيه فى السباق إلى ثروات القطب الشمالى. وبعده، أطلق الأميرال هارى هاريس، قائد القوات الأمريكية فى المحيط الهادى، فى مارس ٢٠١٨، تحذيرًا من الجهود الروسية، لتوسيع نفوذها والسيطرة على ما وصفه بـ«الشمال الأعلى».
.. وتبقى الإشارة إلى أن تقارير عديدة أكدت قيام الولايات المتحدة وكندا، وحلف الناتو، بتطوير أنظمة بحرية لمواجهة ما وصفته بـ«التهديد الروسى» فى القطب الشمالى. غير أن الخبير العسكرى الروسى، إيجور كوروتشينكو، قلل من أهمية ذلك، وأكد، فى حوار نشرته وكالة «سبوتنيك»، أن الغواصات النووية الروسية المنتشرة فى المحيطين، الأطلسى والهادئ، ستحبط كل الجهود والمخططات الهادفة إلى عرقلة عملها.