«بنت القمر».. من ينقذ شبابنا من مجاراة الترند حتى الموت؟
يتناول عرض «بنت القمر»، بطريقة طازجة ومواكبة لإحداثيات واقعنا، ما نعانيه جميعًا ويعانيه هذا الجيل على وجه الخصوص من مشكلة مجاراة الترند والتربح من السوشيال ميديا حتى صار العديد من البشر ضحايا لتلك المنظومة، وذلك من خلال «بسمة»، فتاة مصابة بمرض جلدى يجعل وجهها مشوهًا به بقع فحمية سوداء على نحو يجعل الناس تخافها، ويبتعد عنها حبيبها بسبب ذلك، ويصير مجتمعها ضيقًا، ويقنعها الأب والأم بأن تصنع محتوى/ فيديوهات على السوشيال ميديا لاستدرار تعاطف الناس مع حالتها.
تجارى «بسمة» متطلبات الترند على السوشيال ميديا بالسخرية من ذاتها والإتيان بحركات وأفعال من شأنها تعلية المشاهدات وجذب قطاعات من الجماهير والفولورز، ويتكسب أهلها من هذا الأمر، بينما تشعر «بسمة» بالونس بسبب متابعيها، هل حقيقة هم يعرفون «بسمة» أم يعرفون الصورة التى أرادوا أن يجعلوها عليها؟ ذلك الوحش المضحك المثير للفضول والتساؤلات والتعاطف، وعلى بسمة أن تظل تجارى تلك الصورة التى تجلب الكثير من الأموال لأهلها، والكثير من اللهو والانشغال والتفاف الناس حولها.
حين تشفى بسمة من هذا المرض تصبح تلك المكاسب كلها مهددة، فيقرر الأب والأم إخفاء الأمر واستخدام المكياج لتظل «بسمة» تحمل على وجهها العلامات الفحمية التى تجذب المتابعين وتكسب تعاطفهم، ويبدأ العرض من محاكمة بسمة بتلك الجريمة «ادّعاء المرض للتربح عبر السوشيال ميديا».
يحيلنا هذا العرض للعديد من المحاكمات التى تمت، خلال الفترة الماضية، لصانعى محتوى على التيك توك، وهو أمر يستدعى إعادة مناقشة الأمر اجتماعيًا وثقافيًا، لنعيد طرح السؤال: ما الذى يجب أن نفعله حتى لا يصبح شبابنا فريسة للترند ومجاراته؟ حتى صرنا نعاين من وقت لآخر بثًا مباشرًا لانتحار، يجب أن تقدم الدراسات الاجتماعية والنفسية عن تأثير الصورة ولماذا يجارى الشباب بالأخص صورة وهمية لصناعة تأثير وهمى فى المجتمع؟، وكيف ندربهم من الآن على ترويض هذا الوحش؟، وهل حقًا استطعنا أن نقدم لهم بدائل ثقافية وفنية لدمجهم؟، ولماذا نحاكمهم عوضًا عن أن نقدم لهم ما يحتاجون إليه من الدعم النفسى؟ وأخيرًا لماذا تتوجه أصابع الاتهام دومًا للفتيات؟ رغم أن ثمة محتوى مبتذلًا ومحرضًا يقدمه هؤلاء الذين يدّعون حراسة الأخلاق، والذى ظهر جليًا فى المحتويات التى غزت السوشيال ميديا تدافع عن قاتل نيرة أشرف.
«بنت القمر» هى بنت الثقافة التى تهمش، الثقافة التى تفرض على الفئات المهمشة الاختباء والتخفى وأن يكونوا غير مرئيين لسبب أو لآخر، الثقافة التى يزعجها مجرد معاينة فتاة مستقلة تعمل بالفن ترتدى وفقًا لكود غير شائع، ولا يزعجها الدم، الثقافة التى تستبعدك من الصورة لأنك ربما من ذوى الاحتياجات، أو من النساء، الثقافة التى تهمش الجسد المريض أو المشوه حتى لا تحرج رؤيته أصحاب الأجساد السليمة، وتهمش الفقير حتى لا تجرح ملابسه الممزقة عيون الأغنياء، وهنا يبحث الفرد عن مركز بديل ويسرف فى التملق أو التمرد ليصنع مجتمعه الداعم.. أو الساخر.. لا يهم.. المهم أن يظل مرئيًا.