دليلك لأهم العروض الفائزة بجوائز المهرجان القومى للمسرح «1»
«الحب فى زمن الكوليرا» على «الطليعة».. و«المطبخ» بـ«الهناجر».. و«مشاحنات» فى مركز الإبداع
المهرجان القومى للمسرح هو حدث سنوى يتيح للجمهور والمسرحيين معاينة عروض هى، وفقًا لفرز اللجان، أفضل إنتاج تقدم للمشاركة بالمهرجان.
يستغل محبو المسرح تلك المناسبة التى تفتح فيها كل المسارح أبوابها مجانًا لحضور العروض المسرحية والتحرك من مسرح لمسرح بلهفة علّنا لا يفوتنا عرض يستحق.
بعد إعلان الجوائز عادة ما تحظى العروض الحاصلة على الجوائز والعروض التى أنتجتها الدولة بفرصة امتداد العرض واستئناف تقديمه للجمهور عقب المهرجان، وهنا نقدم للجمهور عددًا من العروض المستمرة فى عرضها، والتى لاقت إعجاب واستحسان الجمهور، وحصلت على العديد من الجوائز والترشيحات.. ليكون هذا العرض دليلك لمشاهدة تلك العروض.
الحب فى زمن الكوليرا
جائزة أفضل عرض بالمهرجان
يعرض على مسرح الطليعة بالعتبة
إعداد/ مينا بباوى
إخراج/ سعيد منسى
الجوائز
أفضل إخراج: سعيد المنسى
أفضل إعداد مسرحى: مينا بباوى
أفضل موسيقى مسرحية: وليد الشهاوى
أفضل أشعار: حامد السحرتى
تسامح فيرمينا زوجها على خيانته الوحيدة لها قبيل وفاته بالسل.. فيرمينا التى خبرت الحب من ٥١ عامًا فعرفت السماح، ثم نعود إلى الخلف لنرى فيرمينا الشابة وقصة الحب التى جمعتها بفلورنتينو عامل البريد، الذى يرفضه الأب لورنزو «تاجر البغال»، ويرى أنه غير جدير بابنته، ويفضل أن يزوجها للطبيب الناجح فوربينو.
فماذا فعل فلورنتينو بعدما تزوجت حبيبته بغيره، هل هددها وأسرتها بالقتل والتشهير؟ لا.. حين فارقته فيرمينا لم يفارقها هو بل ظل على عهد الحب معها.. ظل يحاول أن يثبت جدارته بها ويتشبث بالأمل دون أن يزعجها أو يفسد حياتها.. ظل ٥١ عامًا يدور حولها دون أن تدرى.. كوّن ثروة كبيرة وأسس شركة للسفن.. وحين علم بوفاة الزوج بعد ٥١ عامًا لم يستطع الصبر فتقدم لخطبتها.
فيرمينا التى كانت ما زالت تحبه رفضت لما رأت أن استعجاله فى عرض الأمر يسىء لكرامتها كامرأة ولكرامة زوجها الذى توفى لتوه.. لكن يظل فلورنتينو متشبثًا بالأمل ويعاود إرسال الخطابات لحبيبته حتى ترضى بالزواج منه وتتحدى ابنتها التى تتهمها بالجنون، إذ ترغب فى الزواج فى مثل هذه السن.
تذهب فيرمينا مع فلورنتينو بعدما تجاوزا السبعين عامًا فى رحلة بحرية لقضاء شهر العسل، وتنتابه رغبة فى ألا يكون سواهما على السفينة، ويتضامن القبطان مع قصة الحب العظيمة، التى انتصرت على الزمن والمجتمع، فيرفع علم الكوليرا على السفينة حتى يمتنع الركاب عن الصعود عليها، فى مجاز مزدوج المعنى، فعند المحبين، هذا هو الحب الذى يجتاحنا دون اختيار منا كوباء، وليس بيد أى منا أن يقرر مصيره سيكون الشفاء أم الموت حبًا، وهو الحب أيضًا الذى ينظر له غير المحبين بوصفه وباء عليهم أن يبعدوه وينكروه ويجهزوا عليه.
فإذا أردتم التحليق فى سماء الحب أرشح لكم بقوة الذهاب إلى مسرح الطليعة الآن، ومشاهدة العرض الحاصل على جائزة أفضل عرض لهذا الموسم «الحب فى زمن الكوليرا».
المطبخ
الجوائز
أفضل عرض مركز ثانٍ
أفضل مؤلف: محمد عادل
أفضل مخرج صاعد: محمد عادل
أفضل إضاءة: أبوبكر الشريف
ممثلة صاعدة: لبنى المنسى
فتاة تعرضت للتحرش من عمها وهى صغيرة وخذلها أبوها وأهلها حين لم يصدقوها مما جعلها تشعر باغتراب عن جسدها وكراهية للجنس، ازداد الأمر سوءًا بسبب معاملة أهلها القاسية.. تلك الفتاة التى طبختها قيم العائلة والمجتمع المختلة وفقًا لخلطة موروثة لم يسمح حتى للفتاة نفسها بأن تشارك فيها هى انعكاس مشوه لصورة المجتمع.. تهرب الفتاة من سيطرة الأب لسيطرة الزوج.. مثل العديد من النساء تقضى نصف عمرها فى المطبخ لتطبخ له أكلًا لا تحبه لكنها تنتظر دومًا إطراء وتشجيعًا منه.. على عكس ما يبدو أنها ضعيفة لكنها ذكية وعميقة ومدركة تمامًا للخلل فى علاقتهما، تحاول أن تعوضه بإطرائها على رسوماته، تحاول أن ينفتح الحوار بينهما على باب ربما استطاعت بالحب والحوار التحرر من مخاوفها.
لكنه الزوج/ الرجل، المتعالى، الذى يسخر دومًا من أفكارها، هو الآخر نتاج مطبخ الأسرة والمجتمع الذى وضعه وصيًا على امرأته وقصر إثباته لرجولته على قدرته الجنسية وقدرته على أن يعمل ويحصل على المال اللازم للحياة.. لكن ما الذى يحتاجه هذا الرجل حقًا؟.. هو شأنه شأن الفتاة ليست لديه الفرصة للانعتاق من الدائرة الجهنمية التى تحدد دوره ومسئولياته وحقوقه داخلها بآلية شديدة، يعود من عمله كل يوم يجد زوجته فى انتظاره تحضر له الطعام، يطلبها للسرير فتمتنع هى لا تحب الجنس/ هى لا تحب جسدها/ هى لا تحب جسده.. أيًا كانت الأسباب.. هى تمتنع.. يحاول معاقبتها بأن يحضر عاملة جنس إلى منزلهما.. بالتأكيد لا يوجد عقاب أقسى من هذا لزوجة.. لكن يفاجئه أن تصير الزوجة والعشيقة أصدقاء.. أن تتضامن المرأتان وتدعم كل منهما الأخرى وتحررها.. فتدرك عاملة الجنس أن المال لا يمكن أن يكون عوضًا عن الانتهاك المتكرر لجسدها، وتدرك الزوجة أنها يجب أن تغادر هذا المكان (الشقة/ المطبخ) فلربما وجدت نفسها بعيدًا.
عرض «المطبخ»، لفرقة واحد + واحد، هو عرض شبابى بامتياز يقترب من هموم هذا الجيل واغترابه.. أرشح لكم بقوة مشاهدة عرض المطبخ قريبًا على خشبة مسرح مركز الهناجر للفنون.
مشاحنات
إخراج هانى عفيفى
بطولة: ريم حجاب وهند حسام وسهام بنت سنية وعبدالسلام
عرض «مشاحنات» هو من أمتع العروض التى شاهدتها هذا الموسم، رغم أن العرض لم يحصل على جوائز، رشح فقط لجائزتى أفضل إخراج وأفضل تمثيل.. إلا أن العرض المسرحى «مشاحنات» يأخذنا معه فى مغارات النفس البشرية فى علاقتها ومخاوفها من فكرة الموت.. من خلال أختين تتصارعان فى غرفة الأم التى تحتضر وحول سريرها بينما هى جسد ملقى فى خضم هذا الصراع لاحول له ولا قوة غير قادرة على الإتيان بأى فعل سوى الصراخ بكلمات وأصوات غير مفهومة لتفصل بينهما.
هذا الصراع، الذى هو وسيلة الابنة الكبرى للإبقاء على أختها معها وألا تغادر قبل وفاة الأم: تلك الابنة التى لم تنجب وهجرها زوجها وتتحمل عبء الأم وعبء خدمتها، لكن معاناتها الأكبر من الوحدة، حيث فقدت الأم حاسة السمع والبصر والقدرة على الحركة، واختلطت ذاكرتها فلم تعد قادرة على التواصل، قامت بخدمتها على مدار سنين طويلة، وتعايشت مع قسوة المرض ومعاينة الموت حتى صار الأمر عاديًا وصارت تنتظر بفارغ الصبر لحظة التحرر من هذا العبء بموت الأم، حتى إنها تفكر مليًا فى النعى الذى ستكتبه على «فيسبوك»، وتبحث عن كلمات وطرق لجذب تعاطف أكبر من رواد صفحتها على «الفيس».
بينما الأخت الثانية دائمة الهرب غير قادرة على المواجهة: مواجهة الحب ومواجهة الضعف ومواحجهة المرض ومواجهة الموت، فقد هربت من المنزل لتتزوج ممن تحبه على غير رغبة الأم، وأنجبت أطفالًا صارت تتحجج دومًا بهم حتى لا تأتى وتشارك أختها فى تحمل مسئولية الأم، لكنها تبدو أكثر عاطفية وحساسية وتألمًا من حال الأم، وانزعاجًا من المعاملة الباردة التى تعاملها أختها للأم، هى غير قادرة على مجاورة المرض والموت، ترغب فى الفكاك فى مغادرة المكان طوال الوقت.. والأم جسد ملقى فى خضم هذا الصراع على سرير.
ما هو الموت؟.. وكيف يفتت الزمن أجسادنا على هذا النحو؟.. ما هى مصادر قوتنا الحقيقية؟.. لماذا نتبادل الاتهامات والإدانة فى مثل تلك اللحظات المربكة؟ ولماذا يدفع كل منا إحساس غامض بالذنب والتقصير بإلقائه على الآخرين؟ لماذا يفجعنا الموت مهما كان متوقعًا؟.. لماذا يعجز الحب أن يكون سلاحًا فى مواجهة الموت؟، لماذا لا نستطيع أن ندفع الموت عمن نحب؟.
كل تلك الأسئلة راودتنى وأرقتنى وأنا أشاهد هذا العرض المسرحى البديع الذى أبدع الممثلون فيه فى أداء أدوارهم بتناقضاتها وصعوبتها وقسوتها، حتى إننى أتساءل كيف تحملت ريم حجاب وهند حسام وسهام تلك القسوة، وفجرن من داخلها كل هذا الإبداع، فى سينوغرافيا راقية ورؤية بصرية وفكرية عميقة شكّلها المخرج والمعد عبر إعداده وتشكيله للفراغ وفى بناء العلاقات الدرامية والجمالية على خشبة المسرح؟.. لو كانت هناك جائزة فى تفجير الجمال من قلب القسوة لمنحتها دون تفكير لصناع عرض «مشاحنات».
فإذا أردت أن تغوص فى النفس البشرية وتعقيداتها وجمالها، فشاهد عرض «مشاحنات» بداية من الثلاثاء ١٦ أغسطس ولمدة ١٥ يومًا على مسرح مركز الإبداع بدار الأوبرا المصرية.