إصلاح التعليم.. الفريضة الحاضرة
أُعلن مطلع الأسبوع التعديل الوزاري الذي طال عددًا من الوزارات التي كان من بينها تقديم الشكر لوزير التعليم السابق د. طارق شوقي وتكليف نائبه د. رضا حجازي بتولي المهمة، في مسعى جديد من الدولة لاستكمال مسيرتها نحو إصلاح التعليم الذي نراه الفريضة الحاضرة التي لا بد لها من أن تؤدى على أكمل وجه حتى تكون القاطرة التي تقود المجتمع كله نحو التطور، وهو القرار الذي رأيناه فصلًا جديدًا من فصول جهود الدولة الساعية إلى التقدم والنمو عن طريق إصلاح حال المنظومة التعليمية.
تلك العملية ذات التأثير البالغ على مستقبل الوطن حال إتمامها بنجاح، وفي المقابل سيكون لذات الاستراتيجية تداعيات سلبية إذا ما تعرضت للفشل لا قدر الله، وإدراكًا منا لهذا فإننا ندعم وبكل قوة السيد وزير التعليم الجديد، ونرجو أن يسانده الرأي العام، إن لم يكن بالدعم المباشر فبمجرد الصمت الذي هو استراحة المحارب التي تتيح للرجل إعادة ترتيب الأوراق وقراءة الملفات في وزارته من جديد.
صحيح أن الرجل ليس بغريب على الوزارة وملفاتها، لكن عادتنا في مصر أن الرجل الثاني في وزارة ما ليس لديه من السلطات ولا الصلاحيات ما يسمح له بطرح رؤاه وفرض توجهاته كما هو شأن الرجل الأول في هذه الوزارة أو تلك، ولا يفترض أن تكون كل قرارات الوزير السابق تتسق مع رؤى وقناعات نائبه الذي صار وزيرًا الآن.
وفي يقيني أن وزير التعليم محظوظ بتعامله مع السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث لا أظن أن وزيرًا للتعليم- في أي حقبة سياسية أخرى- سيحظى باهتمام القيادة السياسية بذات القدر الذي يوليه السيد الرئيس لهذا الملف الذي هو بوابة مصر نحو المستقبل.
ومن الأمانة أن نقول إن الوزير السابق د. طارق شوقي، قد حظي بدعم رئاسي هائل على المستوى المادي والمعنوي، وهذا هو غاية المنى الذي يرجوه المسئول أن يعمل في أريحية وأن يترك لاستكمال تجربته كاملة دون تهديد أو وعيد وأن يمكّن من المتطلبات المالية التي تفرضها عملية التطوير والأهم من ذلك كله أن يجد العقلية المنفتحة على تجارب العالم القادرة على استيعاب الفكر المتطور والمشجعة على تطبيق النظريات الحديثة.
وعلى هذا فإننا نترك الحكم على تجربة طارق شوقي نحو تطوير التعليم للتاريخ، وفي ظني أن الحكم سيكون قاسيًا جدًا ولكنه سيكون عادلًا لأقصى مدى، حيث لم يكن لديه أي مبرر لأخطاء شابت تطبيق خطته، قد يرى البعض أن شوقي تعرض لحملات انتقاد واسعة خاصة في بواكير ولايته، صحيح.
لكن العقل الجمعي وإدراكًا منه للتراجع الشديد الذي أصاب المخرج النهائي من العملية التعليمية على مدار عقود مضت أيقن أننا وصلنا لمرحلة لا بد فيها من تدخل الجراح بمشرطه ليستأصل بيت الداء، وللحقيقة بذل شوقي ورجاله جهودًا مضنية في عملية التواصل المجتمعي والتفاعل مع شكاوى المواطنين وإن لم يصل الأمر إلى حد الاستجابة لكل المطالب المجتمعية التي وردت على ألسنة الخبراء أو المعلمين القائمين على تطبيق التجربة أو حتى الطلاب عينة التطبيق.
غير أنه ومن باب الضرورة ومع تولي وزير جديد وهو رجل تربوي منذ بدء مسيرته المهنية والأكاديمية أن يعاد النظر في نظام الثانوية العامة، خاصة عملية الامتحان القائمة على الاختيار من متعدد التي لا تغطي كل المهارات التي ينبغي اختبارها لدى الطلاب في تلك المرحلة العمرية، وتأتي أهمية التقييم حاليًا وبعد عامين من تخريج دفعتين من طلاب الثانوية العامة بنظام التعليم الجديد الذي وضعه د. طارق شوقي- على اعتبار أنها أشبه باستراحة المحارب التي يقوم خلالها رجال وزارة التعليم بتقييم تجربتهم والكشف عن إيجابياتها وسلبياتها ولا بد- لضمان موضوعية التقويم- أن يوكل أمر التقييم أيضًا للخبراء المعتبرين المحايدين من أساتذة التربية الموضوعيين والمتجردين والبعيدين عن الخلافات المباشرة مع الوزارة ووزيرها السابق.
ومصدر إلحاح وحتمية المراجعة هو ما كشف عنه أولياء الأمور من سلبيات يرون أنها شابت العملية الامتحانية من ناحية الإجراءات، أو في تصحيح الأوراق وما يقال من وجود نسبة كبيرة من الأسئلة التي وردت خارج المنهج، بل إن بعض أولياء الأمور ذهبوا للقول وأين المنهج الدراسي الذي سيمتحن فيه الطلاب أصلًا؟ بل أين هي أهم أركان العملية التي سيقوم عليها التقويم من مدرس وطالب ومقرر دراسي؟ فالمدرس يقوم على تدريس منهج للطلاب ولكنه غاب عن المدرسة وانشغل بالدروس الخصوصية والطلاب انصرفوا عن التوجه للمدرسة ليخلوا أوقاتهم للمواعيد التي يفرضها المدرسون كما أن المناهج الدراسية لم تكن متوافرة في كتاب مطبوع يمكن الطلاب من تحصيلها ثم الامتحان فيها في نهاية العام.
وفي كل هذه العملية لا نجد ضحية سوى ولي الأمر الذي اقتصر دوره على التمويل، التمويل فقط، أما دوره في الرقابة أو المتابعة فقد اختفى حيث لا توجد مدرسة ولا صلة له بمدرس فيمكنه متابعتهما ومن ثم صارت فرصة الأبناء في التهرب من الرقابة الأبوية أكبر.
وضحية تجربة الثانوية لم يكن الأب وحده بل هي الأسرة كلها، التي تضطر مع ارتفاع أسعار فيزيتا الدروس الخصوصية لتقديم تضحيات تلبية لمتطلبات الفارس الذي يخوض غمار الثانوية العامة.
وفي يوم النتيجة نفاجأ عادة بصدمات تتعرض لها الأسر ومع تسليمنا أن الأبناء لن يمتلكوا من الشجاعة ما يسمح لهم بالاعتراف بخطاياهم التي أودت بهم إلى الفشل، فإن هوة سحيقة تتسع بين ولي الأمر الذي يشعر بالغبن ووزارة التعليم التي تقسم بالله أنها ما قصرت.
غير أن ما نتابعه على وسائل الإعلام وعبر السوشيال ميديا من تظلمات وصرخات الطلاب وأولياء الأمور لا يمكن أن تكون كلها مجرد مبالغات أو متجنية على الوزارة، وهنا يكون من العدل إنصاف المظلومين منهم وسرعة جبر خواطرهم ترسيخًا لمبدأ العدالة الذي كفلته الشرائع وضمنه الدستور.
وفي ظني أن مراجعة الوزارة لنظام الثانوية هو السبيل حتى نتجنب ما قد يضمره العقل الجمعي من تصورات سلبية تجاه النظام التعليمي والقائمين عليه، وفي النهاية وبناءً على كل ما سبق تبقى دعوتنا لإعادة تقييم التجربة - الآن الآن وليس غدًا - أمرًا ملحًا وعاجلًا يتسق تمامًا مع توجهات الدولة نحو الحوار الوطني، فليس ثمة محور للحوار أهم من مستقبل أولادنا وتقييم ما تبذله الدولة من أجلهم.