رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة توضح.. كيف تدير مصر الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

نشر المرصد المصري، التابع للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة بعنوان «كيف تدير مصر الوساطة بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟» للباحث شادي محسن، وتناولت اختلاف مفهوم «الوساطة» عن مفهوم «المساعي الحميدة» في العلاقات الدولية، من حيث أن الوسيط يستطيع عادة أن يأخذ زمام المبادرة في اقتراح شروط التسوية أثناء ممارسته تخفيض حدة الصراع. 

وأوضحت الدراسة، أنه أدركت مصر أن ارتباط دورها التاريخي بالأوضاع السياسية والأمنية التي ترافق الصراع «الفلسطيني-الإسرائيلي» يجب أن يكون لصيقًا بمصالح استراتيجية متشابكة مع الطرفين، يقوم هذا الارتباط المصيري بين مصر والقضية الفلسطينية عبر التالي أولًا: المصالح المصرية-الإسرائيلية، والتي نجحت مصر في عقد علاقات جيدة مع الحكومة الإسرائيلية في عدة ملفات حيوية على رأسها ملف الطاقة، إذ تنامى لدى الحكومة الإسرائيلية إدراك شبه كامل أنها غير قادرة على أن تجد بديلًا آخر عن مصر من أجل توريد غازها الطبيعي إلى الأسواق الأوروبية. 

ثانيًا: إعادة إعمار غزة، أما على الجانب الفلسطيني، إذ نجحت مصر في تشابك مصالح استراتيجية جديدة مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة تجعلها تحتاج إلى استقرار أمني طويل الأمد؛ من أجل رفع القدرة المعيشية للقطاع الذي يضم ما يقرب من 2 مليون مواطن فلسطيني، لا سيما وأن حركة حماس أصبحت هي المبادرة بالسؤال حول تسريع وتيرة البناء المصري في القطاع؛ للتعجل في رؤية ثمار المبادرة المصرية بإعادة الإعمار، وثالثًا: المصالحة الفلسطينية، والتى تتمهل مصر في تنظيم موضوعي للجدول الزمني لمشروع إعادة الإعمار؛ كونها ربطت تسريع البناء بتسريع الإنجاز في ملف المصالحة الفلسطينية بين كافة الفصائل الفلسطينية؛ منعًا من محاولة احتكار فصيل فلسطيني واحد لثمار مشروع إعادة الإعمار.

ومنح هذا الملف لمصر طابعًا نزيهًا لصفتها كوسيط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لا سيما وأن مصر لم تتوقف عن دعوة الفصائل باستمرار للحضور في القاهرة والوصول إلى صيغة توافقية.

وأشارت الدراسة، إلى أنه تغيرت طبيعة الدور المصري في القضية الفلسطينية بعد 2014؛ إذ كانت تتوالى تطورات وأحداث معينة في الماضي لم تكن تلتفت لها مصر سابقًا مثلما أصبح عليه الحال الآن، ويعود ذلك إلى إدخال مصر متغيرات محددة على حساباتها لمسارات الصراع يمكن أن تؤثر في خفضه أو زيادة حدته.

وأوضحت المتغيرات فيما يلي وهي أولًا: القدس، وباتت مدينة القدس (القدس الشرقية: عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية) ورقة حاسمة في حسابات الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. كان يدور الحديث عن القدس قديمًا في إطار سياسات التهويد مثل بناء مستوطنات جديدة في ضواحي القدس الشرقية أي على بعد عشرات الكيلومترات عن مدينة القدس الشرقية نفسها.

أما الآن فتستدعي مصر سفيرة إسرائيل "أميرة أورون" بسبب مسيرات المستوطنين أو القوميين الإسرائيليين في القدس الشرقية؛ يعود ذلك إلى علم مصر أن مسيرات الأعلام وحدها تستطيع أن ترسم طابعًا جديدًا للصراع يمكن أن يزيد من حدته، ثانيًا: الأسرى، ويشن الجيش الإسرائيلي حملات عسكرية عديدة داخل الضفة الغربية وداخل حدود صلاحيات السلطة الفلسطينية بحق فصائل فلسطينية محددة؛ بهدف القبض على عناصر حركية، وبالتالي تستطيع إسرائيل المساومة بهم كأسرى أو تحييد خطرهم الحركي. تدرك مصر أن ذلك التطور بات متغيرًا مهمًا في حسابات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو ما يستدل عليه مؤخرًا بعد القبض على بسام السعدي المحسوب على الجهاد الإسلامي واندلاع التصعيد الإسرائيلي الأخير في غزة.

ومن ضمن المتغيرات ثالثًا: الانتخابات الفلسطينية الوطنية، والتى تدرك مصر أن عقد انتخابات فلسطينية وطنية يضمن لجميع الفلسطينيين استقرارًا سياسيًا وأمنيًا بعيد الأمد، يعيد للشعب الفلسطيني الأمل في إقامة دولة ديمقراطية مستقرة تشمل الجميع دون إقصاء، ويرسخ كذلك المصالحة الفلسطينية بين جميع الفصائل.

وأكدت الدراسة أن مصر تحرص على تحييد أي تصعيد عسكري بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة؛ لعدة عوامل وهي: تحييد الانقسام الفلسطيني، وقطاع قابل للحياة وبادرت مصر بمشروع إعادة إعمار غزة؛ بهدف رفع القدرة المعيشية في القطاع وتحويله إلى منطقة قابلة للحياة للفلسطينيين القاطنين فيه، بينما يستهدف التصعيد الإسرائيلي البنية التحتية الخدمية والاقتصادية في القطاع مثل ممرات تجارية، أو طرق نقل الركاب. لذلك ركزت المرحلة الأولى من إعمار غزة على إنشاء الطرق والكباري لتعظيم الفرص الاقتصادية والخدمية. 

ومن ضمن العوامل استئناف المفاوضات وترى مصر أن التصعيد العسكري في غزة يعرقل الصيغ التوافقية الفلسطينية المحتملة بين الفصائل والعمل على استئناف المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما حمله الرئيس عبدالفتاح السيسي في حديثه مع رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد؛ إذ قال إن على إسرائيل تخفيض تصعيدها العسكري؛ للمساهمة في استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، كذلك استقرار أمن الإقليم: أحد دوافع إسرائيل في عدم شن عملية عسكرية ضد حزب الله في لبنان، وتفضيل العمل الدبلوماسي لإنجاح مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان هو أن الحرب تقلل فرص الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة. 

ينصرف الأمر ذاته في غزة؛ إذ ترى مصر أهمية الاستقرار الإقليمي لاستجلاب الاستثمار في حقول الغاز الفلسطينية قبل شواطئ غزة، وتمكين الفلسطينيين اقتصاديًا لترسيخ دولتهم المستقبلية.

ختامًا، يمكن القول إن مفهوم الوساطة في مصر هو مفهوم مركّب، يشمل فلسفة خاصة تقرأ حسابات العلاقات الدولية والمصالح المتشابكة، وتستقرأ المتغيرات الجديدة التي تدخل في حسابات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتضم مجموعة واسعة من المؤسسات ذات العمل المتناسق لضمان نجاح الدور المصري.