بشير الديك يتحدث عن محمد خان فى «أول الحكاية»
تنبأ بعمر طويل لفيلم «الحريف» رغم نجاحه المحدود جماهيريًا فأصبح من أهم علامات السينما
«مع سبق الإصرار» كان بداية صداقة قوية مع خان وعاطف الطيب أثمرت عددًا من الأفلام المهمة
سعاد حسنى وأحمد زكى «قطعية واحدة».. ومشهد التعرف على جثة حبيبها فى «موعد على العشاء» لا يُنسى
هناك أفلام لا يمكن أن تُنسى، تظل عالقة فى ذاكرة من يشاهدها من الوهلة الأولى، ربما كثير من أفلام المخرج محمد خان هى من نوعية تلك الأفلام التى يستحيل نسيانها مهما مرت الأيام.
وإذا تتبعنا مسيرة محمد خان، وهى مسيرة رائعة جديرة بأن تجعله واحدًا ليس فقط من أهم مخرجى السينما العربية بل من أهم مخرجى السينما الإنسانية بشكل عام، لرأينا أن هناك أفلامًا هى عبارة عن تحف فنية، كل تفاصيل هذه الأفلام تمس وجدان المتلقى، وبعضها كان من أهم ما قدمه الممثل ولو كان فنانًا فى قيمة وتاريخ عادل إمام، أو أحمد زكى، ولا تخلو قائمة من قوائم أفضل الأفلام إلا وضمت هذه الأفلام التى نحن بصدد الحديث عنها، وهى الأفلام التى جمعت بين السيناريست الكبير بشير الديك والمخرج محمد خان.
وفى كتاب «أول الحكاية» لمحمد غالب وإمام أحمد، يتحدث الكاتب والسيناريست الكبير بشير الديك عن مراحل مهمة فى حياته، وعن تكوينه الثقافى كيف اكتسبه، وعن حكايات كثيرة لتفاصيل أفلام كتبها، وعن أصدقائه ومنهم المخرج الكبير محمد خان.
يقول بشير الديك فى الكتاب متحدثًا عن بداية علاقته بخان:
«بعد نجاح (مع سبق الإصرار) جمعنى القدر بأعز اثنين على قلبى، محمد خان وعاطف الطيب، وأصبحنا شلة قوية وسعيدة، وبدأنا سلسلة أفلام مهمة جدًا، بدأت من (الرغبة) و(طائر على الطريق) و(موعد على العشاء) و(سواق الأتوبيس) و(الحريف). سينما بجد، مش أى كلام، سيناريو وإخراج ورؤية وجماهيرية وكل حاجة».
ثم يواصل الديك حديثه عن أحد الأفلام التى جمعته بخان فيلم «موعد على العشاء» ١٩٨١، ليقول:
«سعاد حسنى كانت شخصية خاصة جدًا، هى وأحمد زكى قطعية واحدة، زى بعض بالظبط، تركيبهما النفسى واحد وتركيبتهما الاجتماعية واحدة.. طبعًا سعاد كانت أكثر نجومية فى ذلك الوقت.. كانت إنسانة شديدة العادية، لدرجة أنك لا تعرف إن هى دى سعاد حسنى».
ربما حديث الأستاذ بشير الديك هنا يعطيك نظرة عن قرب لهذا التفاهم والتوافق الذى انعكس على الشاشة ليصل إلى قلب المتلقى بشكل مباشر، حيث المشاهد الإنسانية المؤثرة التى جمعت بين أحمد زكى وسعاد حسنى، أمام كاميرا محمد خان الذى أدار الممثلين ببراعة ليخرجوا أفضل ما لديهم.
فمن منا يستطيع أن ينسى مشهد المشرحة عندما تنظر نوال، أو سعاد حسنى، إلى جثة حبيبها شكرى، الذى قام بدوره أحمد زكى، الخارجة من ثلاجة حفظ الموتى، هذا المشهد بالرغم من أنه يبدو صامتًا، حيث لم يتفوه فيه أحد بكلمة إلا أن نظرات سعاد، تعبيرات وجهها، وحركة كاميرا محمد خان الهادئة المستقرة، جعلت المشاهد يتفتت مع تفتت سعاد، أو نوال، ويتألم لتألمها.
كذلك فى باقى المشاهد سيتوحد المشاهد مع مأساة نوال بكل تفاصيلها، مثل مشهد وقوفها أمام اللوحة، أو مشهد النهاية وهو واحد من أهم نهايات الأفلام فى تاريخ السينما، حيث الخلاص الفردى والجماعى من الطاغية وشخصية عزت أبوالروس، الذى لعب دوره الفنان حسين فهمى، والحوار الرصين الرائع الذى دار بين كل من سعاد وحسين فهمى، وأيضًا هناك حضور طاغٍ لكاميرا خان، حيث نرى فى هذا المشهد محمد خان وقد قام بتقسيم الكادر إلى نصفين؛ نصف فيه نوال أو سعاد حسنى، ونصف آخر فيه حسين فهمى هذا الطاغية المستبد.. وهكذا ينتهى أحد أهم أفلام السينما.
فى الكتاب لا يتحدث بشير عن فيلم «طائر على الطريق» ١٩٨١، وهو أحد الأفلام التى جمعته بخان، ولكننا يمكن أن نقول إن هذا الفيلم أيضًا يحتوى على قصة حب، ولكنها قصة حب مختلفة عن الأخرى التى كانت فى «موعد على العشاء»، ولكن الفيلمين يمكن أن يكونا بمثابة دليل فى مشروع سيتم تشكيله بعد ذلك فى قصص الحب عند محمد خان، هو البحث المستمر عن شريك الحياة أو الطرف الثانى، الذى معه تكتمل الصورة وتتضح، ومحاولات تحدى المجتمع أو السلطة بالحب فقط.
قصص الحب عند محمد خان ليست ساذجة، ليست سطحية، بل هى عميقة، أرى أن محمد خان لديه القدرة على تفسير وتفكيك الواقع الاجتماعى والسياسى عن طريق قصة الحب التى يتحدث عنها فى أى فيلم من أفلامه باختلاف الزمن واختلاف الأحداث والشخصيات وتغير الحياة الواقعية.
يواصل بشير حديثه عن واحد من أهم الأفلام وهو فيلم «الحريف» ١٩٨٣، ليحكى عن موقف طريف حدث حين دخل الفيلم أثناء عرضه فى إحدى السينمات التى كانت ممتلئة عن آخرها، فالجميع جاء ليرى الممثل «نمبر وان»، على حسب تعبير بشير، وهو عادل إمام، ولكن أحد المشاهدين قال أثناء عرض الفيلم: هو ما له بينهج كده ليه؟
ويضيف بشير:
«الحريف فيلم خاص والناس قطعوا تذاكر عشان يشوفوا عادل إمام اللى عارفينه.. لقوا واحد بيلعب فى الشارع مع الفريق الخسران».
ربما هذه الحكاية تنقلنا للحديث عن تقبل الجمهور هذه النوعية من الأفلام، فأنت هنا تتحدث عن فيلم فى منتهى الأهمية وفى منتهى الإنسانية، ومن أهم ما قدم بطله عادل إمام طوال مسيرته، ومن أهم ما قدم مخرجه محمد خان، فيلم مختلف فى كل شىء، أو على حد قول كاتبه الأستاذ بشير إنه فيلم مثل القصيدة.. قصيدة تقدم نفسها بهدوء وبعمق ودون مكاشفة.
يكمل الديك فى موضع آخر:
«الحريف فيه بعد إنسانى شديد العمق، ومعتمد على كم هائل من التفاصيل.. نوع من الأعمال الذى يقدم نفسه فيما بعد، يعيش أطول حتى لو نجاحه فترة عرضه مش كبير. فيه لحظات لا يتم استيعابها إلا بعد فترة».
ربما تحقق كلام بشير الديك، وثبتت رؤيته تلك، حيث إننا الآن وبعد مرور عشرات السنوات على عرض الفيلم، لا نزال نعيد عرضه، ونكرر مشاهدته، ونقف أمام بعض نواحيه الفنية لنتأمله، ونعيد نشر مقاطع ومشاهد منه، ما يجعلنا على يقين بأن الفيلم من أهم الأفلام فى التاريخ، ومن أهم الأعمال الفنية التى صنعها فنان كبير يجب أن نتذكره ونعيد تأمل سيرته ومشواره وإنتاجه الفنى، وهو الفنان الإنسان، محمد خان.