صانع القوارب.. حازم عزمى ودور الناقد
حلت منذ أيام الذكرى الرابعة على رحيل الناقد والباحث المسرحى حازم عزمى، والذى فجع خبر رحيله طلبته وأصدقاءه منذ سنوات، حيث مات فجأة أثناء مشاركته بمؤتمر عن المسرح فى بلجراد. وقد وجدتها مناسبة لإعادة طرح النموذج الاستثنائى الذى قدمه حازم عزمى؛ لعله يكون ملهمًا لأجيال من نقاد الفنون.
كان لحازم عزمى الفضل فى إرساء المفهوم الحديث لــ«الدراماتورج» فى المسرح المصرى بسبب إجادته اللغة الإنجليزية واطلاعه على كل جديد فى هذا المجال، ففى الندوة الختامية لمهرجان المكان المفتوح مايو ١٩٩٨، فتح حازم عزمى أفق «الدراماتورج»، فهو ليس فقط ذلك المعد الذى يحوّل نصًا أدبيًا لمسرح، إنما هو أيضًا من يقدم اقتراحاته المسرحية الدائمة للمؤلف والمخرج والممثلين.
ويحكى حازم شحاتة عن حازم عزمى أنه كان حينها يعد رسالة الماجستير بالجامعة الأمريكية حول وظيفة الدراماتورج ودوره ويقول: «وقد خدمتنى الظروف فى أن أتابع مراحل إتمام هذه الرسالة خطوة بخطوة، وأن أتعرف على كثير من المفاهيم النظرية، مثل مفهوم: الحوارية عند باختين، مفهوم السرديات، أى المقولات السائدة التى شكلت العالم خارج النص، ومقارنتها بالسرديات التى تشكل العالم فى زمن العرض».
كانت تلك هى شهادة رجل مسرح بأهمية حازم شحاتة، عن رجل مسرح فى ذات المكانة هو حازم عزمى. والمفارقة أن الحازمين، اللذين ربطت بينهما صداقة قوية، كان رحيلهما فى عمر متقارب صادمًا ومدويًا، وخيبة أمل كبيرة للمسرح المصرى، حيث كان يعقد عليهما الكثير من الآمال فى تطوير النقد والمسرح.
وكان حازم عزمى منحازًا دائمًا للعروض التى تعكس نبض الشباب ورؤيتهم تجاه التغييرات السياسية والاجتماعية فى مجتمعاتهم، شريطة أن تتمتع بالصدق الفنى.. وكثيرًا ما عزف عن مساندة العروض المسرحية التى كانت تنجح نجاحًا جماهيريًا ونقديًا، إن لم تتماس مع معطيات واقعها، فقد كانت ذائقته ترفض البهرجة الفنية والتقنية وتحتفى بالرؤية الفكرية الجادة والصدق الفنى، ولو فى قالب فنى وجمالى أضعف.
كما كان مؤمنًا بدور الجماعة المسرحية فى التغيير والضغط بوصفها جماعة مصالح، هذا الإيمان هو ما جعله طرفًا فاعلًا فى عدد من التحركات التى تمت بواسطة الجماعة المسرحية، وكانت لديه القدرة على إظهار تمايزه الفردى دون الجور على طبيعة العمل الجماعى، فعلى سبيل المثال:
■ شارك مع نخبة من المسرحيين فى تأسيس الهيئة الدولية للمسرح.
■ شارك فى إعادة تأسيس المهرجان الدولى للمسرح التجريبى، والذى كان لـ«حازم» فضل كبير فى إحيائه، حين اقترح تسمية تصالحية لإرضاء طرفى النزاع «المهرجان المعاصر والتجريبى» تلك التسمية التى لم تفتقر للسند العلمى، كما كان له الفضل فى إعادة تأسيس رؤيته الفكرية فى دورته الأولى.
■ كان حازم فاعلًا فى صياغة عدة بيانات: منها البيان المطالب بعودة «التجريبى» فى زمن «النبوى وزيرًا للثقافة»، والذى صدر باسم الهيئة الدولية للمسرح.
■ عملنا معًا وكان معنا سعيد قابيل على إعداد قاعدة بيانات لأهم المهرجانات الدولية لإتاحتها لفرق الشباب.
■ تقدم «حازم» بمقترح إقامة مؤتمر دولى بعنوان «المسرح فى زمن التحولات الكبرى» وعمل معنا «أنا وعبير على وأحمد خميس وآخرون» على هذا المقترح، وكان متحمسًا لإقامة هذا المهرجان من خلال قسم المسرح بجامعة عين شمس.
مواربة الباب ليتسلل الأمل
كان لدى حازم عزمى وعى مفارق بالسياق وتحولاته وأثره فى تحديد الفضاء العام، وكان لديه أيضًا وعى كبير بالبيئة الاتصالية الجديدة وميزتها التفاعلية «الآنية/ المباشرة» مع عدة وسائط ممزوجة مع النص «صوت وصورة وفيديو وكلمة»، وكثيرًا ما استخدم حازم عزمى كل تلك الوسائط منفردة أو ممزوجة للتعبير عن رأيه على «الفيس».
وكان يعرف جيدًا أن الأقدر على توظيف واستخدام تلك الوسائط هم الشباب، وهى مصدر تمايزهم وقوتهم فى مواجهة أجيال عتيقة ما زالت تتبنى الطرق التقليدية التى ستندثر قريبًا، وتندثر معها إمكانيات سيطرتهم على مقدرات العمل ومفاصل السلطة.
ومن هنا جاء دعم حازم عزمى ومنحه الأمل لتلاميذه ولشباب النقاد، فلطالما حفز العديد من النقاد الشباب للكتابة بمجلة المسرح وإصدارات أخرى، كما شجعهم على البحث، حيث كان يتابع كتاباتهم وأبحاثهم، كما رشح بعضهم لعضوية لجان التحكيم والمشاهدة بالمهرجان التجريبى، هذا بخلاف علاقته بتلاميذه الاستثنائية التى كانت علاقة حرة تخلو من الوصاية، فقط كان يمنحهم قوارب للإبحار، لم يكن يعنيه أن يصلوا للشط مثلما كان هو تمامًا، كان الإبحار هو متعته الأساسية لا الوصول.