هل كفر العرب بالديمقراطية؟!
المواطنون العرب فقدوا ثقتهم فى تحسن أوضاعهم الاقتصادية فى ظل نظام سياسى ديمقراطى، طبقًا لما زعمه استطلاع أجرته «شبكة الباروميتر العربى للأبحاث»، ونشرته النسخة العربية من الموقع الإلكترونى لهيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى». واستنتج مايكل روبينز، مدير تلك الشبكة، أن المواطنين فى المنطقة العربية قد يتطلعون إلى أنظمة سياسية بديلة، مثل النموذج الصينى، الذى وصفه بأنه نظام الحزب الواحد الاستبدادى!
الاستطلاع، الذى وصفته «بى بى سى» بأنه «الأوسع نطاقًا فى العام العربى على الإطلاق»، جرى بين أواخر ٢٠٢١ وربيع ٢٠٢٢، وشمل عينة من ٢٣ ألف شخص فى تسع دول: مصر والأردن ولبنان وتونس وموريتانيا والمغرب والسودان والعراق وليبيا، إضافة إلى الأراضى الفلسطينية المحتلة. و«كان المشاركون فى الاستطلاع الذين أفادوا بأنهم غير قادرين على شراء المزيد من الطعام عند نفاده أقل دعمًا للديمقراطية»، ولدى سؤالهم عما «إذا كانوا يفضلون حكومة فعالة أيًا كان شكل نظامها السياسى»، قال أكثر من ٦٠٪ إنهم لا يعترضون عن شكل الحكم طالما اتسمت السياسات الحكومية بالفعالية، كما قال أكثر من نصف المشاركين إنهم يفضلون «زعيمًا قويًا، حتى لو لم يلتزم بنص القانون، لتحقيق نتائج ملموسة».
يقع مقر «شبكة الباروميتر العربى للأبحاث»، فى جامعة برينستون، الأمريكية، ولها «لجنة توجيهية» تضم اثنين من الباحثين الرئيسيين فى الشبكة، هما أمانى جمال، ومارك تسلير. والأولى أمريكية من أصول فلسطينية، تعمل الآن عميدة كلية الشئون العامة والدولية فى جامعة برينستون، ولها كتاب صدر سنة ٢٠١٢، عنوانه «عن الإمبراطوريات والمواطنين: ديمقراطية موالية لأمريكا أم لا ديمقراطية على الإطلاق؟»!.
المهم، هو أن العراقيين، بحسب ذلك الاستطلاع، هم الأكثر فقدانًا للثقة فى تحسن أوضاعهم الاقتصادية فى ظل نظام سياسى ديمقراطى بنسبة ٧٢٪، تلاهم التونسيون بنسبة ٧٠٪، ثم الفلسطينيون ٦٢٪، والليبيون ٦٠٪، والأردنيون ٥٥٪، واللبنانيون ٥٢٪، والسودانيون ٥٠٪، بينما لم يفقد الثقة فى الديمقراطية إلا ٤٧٪ فقط بالمملكة المغربية. ولأسباب لم يذكرها التقرير، لم يتم طرح هذا السؤال على المصريين. فقط، وجدنا إشارة عامة إلى أن «بعض الدول طلبت إسقاط بعض الأسئلة لأسباب قانونية وثقافية»، فهل يمكن أن تكون مصر قد طلبت إسقاط هذا السؤال، أو غيره، لأسباب قانونية أو ثقافية أو سياسية؟!
من الموقع الإلكترونى لـ«شبكة الباروميتر العربى» عرفنا أن ممثلها فى مصر هو «المركز المصرى للبحوث والتدريب»، الذى يصف نفسه بأنه «كيان مستقل وخاص»، والذى لم يصدر، منذ تأسيسه سنة ٢٠٠٠، غير ثلاثة كتب، اثنان منها لـ«عبدالحميد عبداللطيف»: «الاختلافات فى حجم العائلة المثالى بين المصريين»، ٢٠٠٣، و«تحولات القيم المشتركة عبر الأجيال بين الجمهور المصرى»، ٢٠٠٤، أما الكتاب الثالث فعنوانه «القيم كما تصورتها شعوب الشرق الأوسط والشعب الإسلامى» تأليف بلجريف مكميلان، وترجمة عبدالحميد عبداللطيف وتحرير منصور معادل، وصدر عن المشروع القومى للترجمة، التابع لوزارة الثقافة، سنة ٢٠١٠، ولا نعرف لماذا تم وضعه بين قائمة منشورات المركز، التى تضمنت ست أوراق عمل بحثية، اثنتين منها لعبدالحميد عبداللطيف منفردًا، واثنتين شاركهما فيها هيلين ريزو وأسماء المغازى.
عبدالحميد عبداللطيف، كما لعلك استنتجت، هو مؤسس ومدير وصاحب المركر. وتقول سيرته الذاتية، المنشورة بموقع المركز، إنه تخرج فى جامعة ولاية أوهايو، وحصل على الدكتوراه فى علم الاجتماع، بعد أن تخصص فى الدراسات السكانية «الديمغرافيا»، ومنهجية البحث والبحث الاستطلاعى. وشغل منذ عام ١٩٧٠ عدة مناصب أكاديمية فى جامعات الولايات المتحدة وكندا ومصر، وتتضمن اهتماماته البحثية توجه القيم، و... و... وكل ذلك على عهدته، أو مسئوليته، لأننا عجزنا عن التحقق من صحته!
.. وأخيرًا، لن ننتظر توضيحًا من الأستاذ عبداللطيف بشأن أسباب أو دوافع عدم طرح السؤال على الذين استطلع آراءهم فى مصر، لو افترضنا أن هناك مَنْ استطلع آراءهم بالفعل، لأن أى توضيحات، تفسيرات أو تبريرات، لن تغير من حقيقة أن المصريين، والعرب عمومًا، لم يكفروا بالديمقراطية، بل كفروا بهذا النوع من استطلاعات الرأى، التى تجريها وتشارك فيها شبكات أو مراكز أو دكاكين تحت مستوى الشبهات.