المشاهير ليسوا ملائكة
«Elvis» هو أحدث الأفلام الأمريكية التى تُعرض حاليًا فى مصر من إخراج باز لورمان، وبطولة توم هانكس وأوستن بتلر، عن قصة حياة المطرب الأسطورة، أو كما كان يلقب بـ«ملك الروك آند رول»، إلفيس بريسلى «أوستن بتلر»، بداية من صعوده واكتشاف موهبته من قبل كولونيل باركر «توم هانكس» قبل أن يصبح مدير أعماله، وصولًا إلى الشعبية الجارفة والمكانة غير المسبوقة فى أمريكا والعالم، على قدمى الموهبة والمعاناة المتمثلة فى استغلال باركر المادى له، وهو ما دفعه لإدمان المخدرات التى كان لها دور كبير فى وفاته.
المدهش حقًا فى أفلام السِيَر الذاتية لنجوم الموسيقى والتمثيل الأمريكية والأوروبية أنها تقدم البطل كبشر وليس ملاكًا، دون أن ينتقص ذلك من تعاطفنا معه، أو إبهارنا كمشاهدين بشخصه.. مراجعة سريعة لتلك الأفلام، ستجد عرضًا جريئًا لنقاط ضعف أبطالها ومراحل انكسارهم، وما ترتب عليها من تبعيات، سواء إدمان المخدرات أو الجنس أو غيرهما.
فى فيلم «الحياة الوردية La Vie en rose»، الذى جسد سيرة مطربة فرنسا العظيمة إديث بياف، سنرى كيف أدمنت الكحول وعاشت حياة بوهيمية تملؤها الفوضى والتخبط النفسى والجنسى، بينما كشف فيلم «السيدة التى تغنى البلوز Lady Sings the Blues» عن تعرض مغنية الجاز الأمريكية الكبيرة بيلى هوليداى للاغتصاب والتمييز العنصرى، كما جسدت أفلام عديدة الحياة الجنسية لأبطالها بصراحة وجرأة، مثل فيلم «بوهيميان رابسودى Bohemian Rhapsody» الذى تطرق لميول المغنى فريدى ميركورى المثلية، وكذلك فيلم «داليدا» حيث عرض العلاقات العاطفية والحميمة لبطلته.
فى مصر.. لدينا عوائق أزلية تحول دون واقعية الأعمال التى تحكى عن حياة رموزنا الفنية أو السياسية، بدايةً، لا بد من موافقة عائلاتهم على النص قبل تنفيذه، وهو ما أدى ليس فقط إلى تدخلات أفسدت تلك الأعمال، بل إلى توقف أعمال أخرى إلى أجل غير مسمى، مثلما حدث فى مسلسل أحمد زكى، من تأليف السيناريست الكبير بشير الديك وبطولة محمد رمضان، أيضًا هناك رقابة شرسة، هى رقابة الجمهور الذى لا يسمح بخدش صورة نجومه المحبوبين بفعل أى حقيقة تفسد تصوراته حولهم، والتى تصنع من هؤلاء النجوم ملائكة لا تخطئ أو تمتلك نقاط ضعف أو تقدم على تجارب لا تتفق مع المعايير الأخلاقية للجمهور رغم كونها حقائق لا تقبل التكذيب فى أغلب الأحيان.
أيضًا هناك أزمة التجسيد، فبينما تم اختيار ممثلين بعيدين كل البعد عن المواصفات الشكلية للشخصيات التى يجسدونها، وقع البعض الآخر فى فخ التقليد وليس التجسيد، الذى تقدمه السينما الأمريكية ببراعة أهّلت ممثليها لحصد الأوسكار عن تلك الأدوار، مثل ماريون كوتيار عن دور إديث بياف، رامى مالك عن فريدى ميركورى، ميريل ستريب عن مارجريت تاتشر، هيلين ميرين عن الملكة إليزابيث، بن كنجسلى عن غاندى، وفورست ويتكر عن عيدى أمين.
ليس هناك سر خفى، الأمر متعلق فقط بالجدية، بداية من اختيار الممثلين مرورًا بانصهارهم داخل روح وإحساس ومظهر الشخصية، وصولًا إلى الإجادة فى تجسيد انفعالاتها المختلفة ولغة الجسد لديها، المؤسف أن تاريخنا الفنى والسياسى يزخر بالعديد من الرموز لكن لم يتم تجسيدها فى السينما، بينما ظهر بعضها بشكل فى غاية السوء، عبر أفلام عانت من مواطن خلل كبيرة إما فى النص الذى جاء ضعيفًا فى كثير من الأحيان، أو غير واقعى فى أحيان أخرى، وإما فى الأداء، مع استثناءات محدودة، منها أحمد زكى وخالد الصاوى فى دور عبدالناصر، ونور الشريف فى دور يوسف شاهين.
فى الدراما التليفزيونية كان الحال أفضل ولكن ليس كثيرًا، ففى الوقت الذى قدمت مسلسلات شخصيات المشاهير ببراعة شديدة وواقعية صادقة ونصوص مميزة، مثل «الاختيار والجماعة وأسمهان»، أخفق الكثير من الأعمال فى النَص أو إتقان تجسيد أبطاله، سواء صباح أو ليلى مراد أو إسماعيل ياسين أو سعاد حسنى، أو أم كلثوم رغم النجاح الكبير لمسلسلها الذى كتبه محفوظ عبدالرحمن بحرفية وأخرجته القديرة إنعام محمد على، إلا أنه يعد برهانًا على تمسك الجمهور بالصورة المثالية التى يرسمها لنجومه.